الملف الصحفي


عفوًا هذه الوثيقة غير متاحة

جريدة القبس - السبت, 22 مارس, 2008 - 14 ربيع الأول 1429- رقم العدد: 12503

في قراءة دستورية تناولت وظائف الحل:
النظام البرلماني لا يستقيم دون آلية حل مجلس الأمة

حل المجلس المنتخب سمة من سمات النظام البرلماني، فالتوازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية لا يستقيم من دون هذه الآلية. فكما للبرلمان اسقاط الحكومة، فللحكومة حل البرلمان. والى جانب الوظيفة السابقة، فللحل وظائف اخرى مثل:
ــ الاحتكام للشعب: اذا ما شجر خلاف بين الحكومة والمجلس المنتخب ورأت الحكومة ان برنامجها اقرب لمصلحة الناس ورأي المجلس المنتخب غير ذلك، فان العودة للناخبين تسمح بإعطاء حكم واضح في توجه الناس.
ــ تقوية مركز المجلس المنتخب: بعد الانتخابات مباشرة، فإن المجلس المنتخب يعكس الارادة الاحدث للناخبين، وبالتالي فإنه في اعلى درجات المشروعية، ان جاز التعبير، ولعل هذه الحقيقة هي التي تدفع بعض الانظمة الى اشتراط حل البرلمان واعادة انتخابه عند النظر في التعديلات الدستورية المقترحة. وعكس البرلمان للارادة الاحدث للناخبين احدى مبررات وجوب اعادة تشكيل الحكومة في الدستور الكويتي وفق المادة 57، والمذكرة التفسيرية تشير لهذا المعنى بوضوح.
ــ تقوية الحكومة: وهذه الفرضية نجدها في النظام البرلماني عندما نكون بصدد حكومة ائتلاف ضعيفة. ولذلك يلجأ رئيس الدولة الى حل البرلمان على امل ان تفرز الانتخابات اغلبية واضحة تسمح بتشكيل حكومة اكثر تجانساً.
وعلى الرغم من الفوائد المتعددة للحل، غير انه ايضاً امر خطير جدا، وتركه بلا ضوابط يقود لنتائج سيئة على العمل البرلماني، فكما تحتاج الحكومة الى قدر من الاستمرار الزمني كي تنفذ برنامجها، فإن البرلمان يحتاج ايضاً الى هذا الاستمرار المعقول كي يقدم انتاجاً. وبالاضافة الى ذلك، فان العودة للناخبين بشكل متقارب تنهك المرشح. ولذلك فان التلويح بالحل يقود في بعض الاحيان الى قبول اعضاء البرلمان بالتهدئة.
والدستور الكويتي قد جعل للحل تنظيماً عاماً على ضوابطه (م 107) كما جعل له وظيفة خاصة في حالة معينة (م 102) ونحن نعتقد ان كلاً من الصين يحتاج لوقفة لانه يتضمن او لا يتضمن احكاماً تستحق الوقوف امامها ومناقشتها.
أولاً: المادة 107 او القواعد العامة:
تقرر هذه المادة القواعد العامة في حل مجلس الامة، فهي تقرر الاداة المستخدمة للحل وهي المرسوم وتشترط ان يكون المرسوم مسبباً دون ان تذكر سبباً للحل باعتبار ان هناك اسباباً متعددة للحل في النظار البرلماني.
ومن بعد وضع الاحكام السابقة تقرر النتائج المترتبة على الحل إما بشكل ضمني، وهي نهاية الفصل التشريعي، او بشكل صريح، والنتيجة هي وجوب اعادة الانتخاب خلال شهرين من تاريخ صدور مرسوم الحل.
والنتيجة المترتبة على عدم الالتزام بهذا الحكم هي عودة المجلس الذي تقرر حله. ويجتمع هذا المجلس بقوة الدستور الى ان ينتخب المجلس الجديد. واذا كانت الاحكام السابقة في المادة 107 واضحة، فإن هذه المادة تحتوي على حكم يحتاج الى توضيح اكبر وهو اشتراطها عدم جواز حل المجلس لذات الاسباب مرة اخرى. فتعبير «مرة اخرى» هل ينصرف الى الحكومة التي رفعت مرسوم الحل ام ينصرف الى ولاية الامير المصدق على مرسوم الحل؟ وهل التعبير ينصرف الى التعاقب فقط، اي لا يجوز الحل مرتين متتاليتين؟ ام انه مطلق، فنفحص السبب الوارد في مرسوم الحل ونرى مدى وجود هذا السبب في اي مرسوم حل لاحق عليه؟ ومن هو الذي يقرر اتحاد السبب في المرة او المرات اللاحقة؟ واهمية التساؤلات السابقة ناتجة عن كون مراسيم الحل الثلاثة الصادرة حتى الآن وفق المادة 107 من الدستور تعود كلها الى استحالة استمرار العلاقة بين المجلس والحكومة او صعوبة استمرارها، بسبب تجاوزات الاعضاء وهذه المعاني نجدها في مراسيم الحل في الحالات الثلاث وان اختلفت الالفاظ والمعاني قليلا، وفي واقع الحال، من الصعب تصور سبب آخر للحل في الوضع القائم فدولة الكويت لا تأخذ في الوقت الراهن بوزارة الاغلبية البرلمانية لان الدستور لا يوجب ذلك، وان كان يدعو اليه باعتباره غاية منشودة. وهذا الواقع يقود الى استبعاد اسباب الحل الاخرى في النظام البرلماني مثل الحل لاعادة تشكيل حكومة الائتلاف الضعيفة او الحل بهدف الحصول على اغلبية واضحة في البرلمان. ولو جمعنا النصوص الدستورية بعضها الى جوار بعض، فيمكن ان نصل الى عدد من الاجابات:
أ – المخاطب بالمنع: بالنسبة للمخاطب بالمنع بعدم جواز الحل مرة اخرى، فان المادة 57 من الدستور تجعل الحكومة التي رفعت مرسوم الحل غير مخاطبة بالمنع لسبب بسيط وهو انها من الناحية القانونية سوف تزول بانتخاب المجلس الجديد وهنا نلاحظ ان اعادة تكليف الشخص نفسه برئاسة مجلس الوزراء لا تعني من الناحية الدستورية استمرار الحكومة القديمة. كما ان المادة 54 سوف تجعلنا نستبعد من نطاق المنع الامير الذي وقع تصديق مرسوم الحل في عهده، لان ذات الامير مصونة لا تمس، وهو يتولى سلطاته بواسطة وزرائه وفق المادة 55 من الدستور. اذاً احكام الدستور لا تسمح بتحميل طرف محدد المسؤولية القانونية عن وقوع الحل للسبب ذاته مرة اخرى.
ب – المكلف بالفحص: عدم جواز الحل مرة اخرى للسبب ذاته يقتضي وجود جهة تصدر هذا الحكم فتفحص اسباب الحل في المرات السابقة وتفحص اسباب قرار الحل القائم كي تصل الى النتيجة، وهي ان الحل القائم اتى لذات الاسباب او هو مبني على اسباب جديدة. ومن المنطقي ان تكون الجهة المكلفة بالفحص مستقلة عن الجهة المصدرة لقرار الحل. ولا نجد في احكام الدستور الكويتي تحديدا لهذه الجهة وفي الواقع، فان الدستور الكويتي يتضمن وضعا مشابها للوضع السابق. فالمادة 175 تقرر بان «الاحكام الخاصة بالنظام الاميري للكويت ومبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها ما لم يكن التنقيح خاصا بلقب الامارة او بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة». ولكن الدستور لم يحدد جهة تراقب السلطة التأسيسية الفرعية، فالمحكمة الدستورية لا تراقب الا دستورية القوانين واللوائح اي التشريعات الادنى من الدستور. وقد تنبه المشرع الدستوري في بعض البلاد لذلك، فالدستور الالماني ينيط بالقاضي الدستوري الرقابة على مشاريع تعديل الدستور كي لا تخالف توجهات حددها الدستور نفسه.
اذا حكم عدم جواز الحل مرة اخرى لذات السبب والذي تقرره المادة 107 من الدستور، كما الحكم الوارد في المادة 175، حكم توجيهي لا يمكن ترتيب نتائج قانونية محددة على عدم الالتزام به، وفق الوضع القائم للنصوص الدستورية في الكويت، وعلى الرغم من التقرير السابق، فاننا نعتقد ان مثل هذه الاحكام مفيدة لان التوجيهات الواردة فيها لا تخلو من التأثير، فهي تجعل مصدر القرار مستشعرا بوجود توجيه محدد، كما انها تخلق اساسا لرقابة الرأي العام.
ثانياً - المادة 102 أو السبب الخاص:
لم يأخذ الدستور الكويتي بالقاعدة العامة في المسؤولية السياسية للحكومة وهي تقود الى توحيد اجراءات المسؤولية الوزارية بمسؤولية رئيس مجلس الوزراء وان كان هناك فرق في الاثر، فتحريك مسؤولية الوزراء تقود الى استقالة الوزير، اما تحريك مسؤولية رئيس مجلس الوزراء، فانها تقود الى استقالة الحكومة، وقد استعاض الدستور الكويتي عن ذلك بنظام خاص لمسؤولية رئيس مجلس الوزراء، فيجعل اجراءات تحريك مسؤوليته السياسية مشابهة للوزراء، فيتم استجوابه وفق الاجراءات نفسها. ولكن لا يجوز طرح الثقة به كما الوزراء، وانما يجوز للمجلس ان يعلن عدم امكان التعاون معه فان صدر قرار المجلس بعدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء بعد استجوابه، تقرر المادة 102 من الدستور في هذه الحالة «رفع الامر الى رئيس الدولة والامير في هذه الحالة ان يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة، او ان يحل مجلس الامة، وفي حال الحل، اذا قرر المجلس الجديد بذات الاغلبية عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء المذكور، اعتبر معتزلا منصبه من تاريخ اقرار المجلس في هذا الشأن، وتشكل وزارة جديدة».
والمادة 102 من الدستور لم تطبق حتى الآن، ومع ذلك فان بعض الفقه قد قرر ان اداة حل المجلس في هذه الحالة هي الامر الاميري، ولعل ما قاد الى هذا الاجتهاد هو وجود فكرة التحكيم التي يقوم بها رئيس الدولة، فاعتبار رئيس الدولة حكما بين المجلس ورئيس الوزراء، وهو بشخصه محل قرار المجلس بعدم امكان التعاون معه، يقود الى القول بان القرار سوف يصدر عن الامير شخصيا. وبما ان المرسوم هو قرار يصدر عن مجلس الوزراء ويرفع لرئيس الدولة للتصديق عليه، فانه من المنطقي الا يتم استخدامه وان يستخدم بدلا منه اداة خاصة بالامير لا يشاركه فيها احد وهي الامر الاميري ونحن نجزم بان الدستور الكويتي لا يقبل بمثل هذا الاجتهاد، وهو امر لا يتسق مع الفهم الشمولي لنصوص الدستور الكويتي، فالمادة 102 ما هي الا تطبيق خاص لاحكام الحل الواردة في المادة 107، ولذلك من المنطقي الا يذكر فيها اجراءات الحل وادواته باعتبارها واردة في النص العام، كما ان الامر الاميري في الدستور الكويتي هو حكم خاص لا يجوز افتراضه او التوسع بتفسيره.
1ــ علاقة المادة 102 بالمادة 107: نلاحظ ان المادة 102 لم تذكر اداة الحل ولم تذكر بعض نتائج الحل بشكل مباشر، فلم يرد بها وجوب اجراء الانتخابات خلال شهرين من صدور مرسوم الحل، وكل ذلك منطقي لان المادة 102 تعالج سببا محددا للحل وهو صدور قرار المجلس بعدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، وتقدم المادة للامير خيارا تضعه امامه وهو تحكيم الشعب للتأكد من ارادته بدلا من تقرير اقالة رئيس مجلس الوزراء، ولذلك فان المادة 102 تقرر انه بعد الاحتكام الى الشعب وظهور ارادته، من خلال اختيار مجلس متطابق في طبيعته مع المجلس الذي قرر عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، فان الاثر المباشر في هذه الحالة هو اقالة رئيس مجلس الوزراء ومتى كانت المادة 102 هي مجرد تطبيق خاص لاحكام الحل الموجودة في المادة 107 فانه من المنطقي ان تطبق عليها الاحكام الواردة في المادة 107، وقد يقول قائل من بعد ذلك هل من الملائم ان يشارك رئيس مجلس الوزراء باصدار اداة الحل وهو نفسه محل قرار عدم التعاون، واجابتنا اننا بصدد مشروعية وليس ملاءمة ورئيس مجلس الوزراء يطبق الدستور فان لم يطبقه جاز للامير اقالته.
ب ــ طبيعة الامر الاميري: تقريرنا بان اداة الحل عند استخدام المادة 102 هي المرسوم لا يستند فقط الى طبيعة العلاقة بين المادة 102 والمادة 107 من الدستور، ولكنه يستند ايضا الى حقيقة اخرى وهي ان الاصل في الدستور الكويتي ان الامير غير مسؤول سياسيا وذاته مصونة لا تمس وهو يمارس صلاحياته بواسطة وزرائه اي بمرسوم. اما الامر الاميري فقد قرر له الدستور استخدامات محددة لا يخرج عن نطاقها وهو امر حرصت المذكرة التفسيرية للدستور على تقريره بوضوح.
وفي نهاية المطاف فاننا نعتقد ان الواقع العملي يفتح المجال لفحص النصوص ويقدم للباحثين فرصة جيدة لدراستها، كما ان تدارس النصوص الدستورية هو احد اشكال رفد الحياة السياسية العامة بالمادة المعرفية، وكل ذلك يساعد في تكوين الرأي العام المستنير الذي لا تتحقق الديموقراطية من دون وجوده.

تسجيل الدخول


صيغة الجوال غير صحيحة

أو يمكنك تسجيل الدخول باسم المستخدم و كلمة المرور