الملف الصحفي


عفوًا هذه الوثيقة غير متاحة

جريدة القبس - الاثنين 28 فبراير 2011 ,26 ربيع الأول 1432 , العدد 13559

اليوم العالمي للمرأة واستدامة حقوق المرأة الخليجية

كتب بدرية عبدالله العوضي :
مفهوم مشاركة المرأة في العمل السياسي في غالبية الدول العربية، يقتصر على تعيين امرأة او اثنتين او حتى ثلاث نساء كوزيرة او سفيرة للدولة في الخارج او تعيين بعض النساء في مجالس الشورى في حالة فشلهن في الانتخابات البرلمانية للفوز بعضوية المجلس النيابي، في حين ان مفهوم المشاركة السياسية في الحياة العامة، يتسع ليشمل المشاركة في اتخاذ القرار في جميع المجالات وعلى المستويات كافة في اجهزة الدولة وسلطاتها الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، فالمشاركة السياسية هي نشاط المواطن للتأثير في الوعي السياسي بما في ذلك اتخاذ القرار وآلية تنفيذه وتقييم آثاره.
هذا المفهوم المقيد لمفهوم العمل السياسي ينطبق على المرأة الخليجية بصورة خاصة بالنسبة الى مشاركتها في العمل النيابي، او في تقلد المناصب القيادية في الدولة، ويتضح ذلك من طبيعة المشاركة السياسية في هذه الدول، حيث تتم المشاركة في العمل النيابي اما عن طريق الانتخاب الحر او بواسطة التعيين في مجالس الشورى، لتمكين المرأة الخليجية من كسر الاحتكار الذكوري للعمل السياسي. هذا الاتجاه اخذت به بداية سلطنة عمان في اطار النظام السياسي الخاص المعمول به منذ عام 1997، بحيث اصبح مجلس الشورى منتخبا انتخابا حرا مباشرا من قبل المواطنين، ومجلس الدولة معينا يضم اصحاب الخبرة والاختصاص للاستعانة بآرائهم في ما تحتاجه ممارسة الشورى من علم ودراية.
عدم استدامة
تشارك المرأة العمانية في العمل النيابي منذ الفترة الثانية للمجلس (1994 - 1997) وكانت مشاركتها مقصورة على تمثيل محافظة مسقط، وابتداء من الفترة الثالثة للمجلس (1997 - 2000)، توسعت المشاركة لتشمل باقي مناطق ومحافظات السلطنة، ووصل عدد العضوات في مجلس الدولة في فترته الرابعة (2004 - 2006)، الى ثماني عضوات بالتعيين من بين 57 عضوا هم اجمالي عدد اعضاء مجلس الدولة اي بنسبة %15 فقط، وبعد مرور اكثر من عقد من المشاركة في العمل النيابي، ورغم الاقبال الكبير للمرأة الناخبة على التصويت فشلت المرأة العمانية من الفوز بعضوية مجلس الشورى العماني لدورته السادسة للفترة (2008 - 2011). يتضح من التجربة العمانية عدم استدامة المشاركة السياسية للمرأة في العمل النيابي، يؤكد ذلك عدم زيادة نسبة التمثيل النسائي في مجلس الشورى على امرأتين نظرا لسيطرة العادات والتقاليد الرافضة لمشاركة المرأة في العمل السياسي، وحتى بعد توسيع دائرة المشاركة النيابية الى مناطق ومحافظات السلطنة ابتداء من الفترة الثالثة للمجلس (1997 - 2000).
مفهوم ضيق
هذا المفهوم الضيق للمشاركة السياسية للمرأة الخليجية، ينطبق ايضا على مشاركة المرأة في العمل السياسي في كل من مملكة البحرين وفي دولة الامارات العربية المتحدة، لتفادي استبعاد المرأة من المشاركة في تنمية المجتمع بسبب الموروث الثقافي والاجتماعي الرافض لحق المرأة في ممارسة العمل البرلماني من ناحية، والتصدي للتيارات الفكرية الرافضة لمشاركة المرأة في العمل السياسي، وامتثالا لتعهداتها الدولية المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية بموجب تصديقها، لم يتبق امام الانظمة الحاكمة في هذه الدول سوى الاخذ باسلوب التعيين في مجالس الشورى للاستفادة من خبرة الكفاءات النسائية في شتى المجالات. وتبين الاحصائية ان مشاركة المرأة في غالبية دول مجلس التعاون الخليجي في العمل السياسي من خلال السلطتين التشريعية والتنفيذية حتى عام 2010، تتراوح ما بين %3 الى %22، وتؤكد التجربة الخليجية ايضا ان تعيين المرأة في المناصب الوزارية يقتصر في الغالب علي التعيين في الوزارات ذات الطابع الخدمي بعيدا عن الوزارات السيادية مثال ذلك «وزارة التربية والتعليم، وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وزارة الصحة».
النموذج الكويتي
لا بد من التذكير ان النموذج الكويتي بالنسبة لمشاركة المرأة في العمل السياسي قد يكون مختلفا بعض الشيء عن الدول الخليجية الثلاث المشار إليها اعلاه، بسبب طبيعة النظام النيابي المعمول به في اطار الدستور الكويتي، ومع ذلك لا يمكن القول ان هذا النظام يحقق استدامة حقوقها في المشاركة في العمل السياسي على اساس الانتخاب المباشر من دون الاستعانة بنظام الكوتا النسائية، كما هو الحال في العديد من الدول العربية، بسبب تشابه الاوضاع الاجتماعية والسياسية للمرأة ونظرة المجتمع لهذا العمل، مما يحول دون تفعيل واستدامة هذا الحق الاساسي من حقوق الانسان للمرأة.
يسري هذا التخوف ايضا بالنسبة الى تجربة المرأة القطرية في العمل السياسي الميداني عام 1998، في ضوء فشل المرشحات القطريات الست في الانتخابات البلدية فيما عدا فوز مرشحة واحدة وبطريق التزكية، ورغبة في استدامة المشاركة السياسية برز تيار سياسي يطالب بان تكون مشاركة المرأة السياسية عن طريق التعيين بدلا من الانتخاب المباشر للتغلب على عدم اقتناع المرأة ذاتها بجدوى مشاركتها في العمل السياسي، اضافة الى غياب الوعي السياسي باهمية دور النساء في صنع القرار السياسي.
الأعلى
في حين يستدل من التجربة الاماراتية الاخذ بمفهوم الاستدامة لضمان استمرار مشاركة المرأة في العمل السياسي منذ عام 2008، في عضوية المجلس الوطني الاتحادي بطريقة الانتخاب والتعيين، بعد فوز امرأة واحدة فقط بالانتخاب المباشر عن امارة ابوظبي، ولتعزيز المشاركة النسائية تم تعيين ثماني نساء من الامارات الاخرى من اصل اربعين عضوا لتصل نسبة مشاركة المرأة في العمل النيابي الى %22.5 في المجلس الوطني الاتحادي لتصبح مشاركة المرأة الاعلى في التمثيل النسائي في السلطة التشريعية على المستوى الخليجي.هذا التطور البطيء والمتذبذب للمرأة الخليجية في المشاركة في العمل السياسي يهدد مفهوم الاستدامة لحق المرأة في العمل السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي، بسبب استمرار الرفض المجتمعي لتمكين المرأة في العمل السياسي على قدم المساواة مع الرجل، نتيجة سيطرة العادات والتقاليد المتخلفة على هذه المجتمعات التي لا تزال حتى الآن تقاوم فكرة التغيير في الدور النمطي للمرأة.
نجاح التمكين
ان تجربة مشاركة المرأة في العمل النيابي في المجلسين والنجاح النسبي لمشاركتها في العمل السياسي في كل من سلطنة عمان ومملكة البحرين ودولة الامارات العربية المتحدة منذ التسعينات وحتى الآن، يدل على نجاح جهود القيادة السياسية بصورة خاصة في تمكين المرأة من ممارسة حقوق المواطنة، رغم الضغوط الاجتماعية التي تواجه هذه المبادرات الرائدة من القيادات السياسية في غالبية هذه الدول بسبب سيطرة العادات والتقاليد المناهضة لتمكين المرأة من حقوق المواطنة.
ازاء هذه العقبات التي تحول دون تغيير الاوضاع الاجتماعية والسياسية والانسانية للمرأة الخليجية، يحتم على القيادات النسائية في هذه الدول اخذ المبادرة لوضع الخطط والبرامج للقضاء على الامية الابجدية والحضارية بين النساء بصورة خاصة، ونشر التوعية القانونية والسياسية بين النساء والرجال حول اهمية مشاركة المرأة في العمل السياسي كناخبة اولا ومرشحة ثانيا. ومناشدة قادة دول مجلس التعاون الخليجي اعطاء اهتمام خاص وفاعل لقضايا المرأة الخليجية من خلال انشاء ادارة خاصة لشؤون المرأة في الامانة العامة للمجلس، ووضع استراتيجية خليجية لتعزيز حق المرأة في المشاركة في العمل السياسي، مع ادراج الحقوق الانسانية للمرأة في جدول مؤتمرات القمة الخليجية.
تمييز
لا بد من التذكير ونحن نحتفل باليوم العالمي للمرأة، ان تحفظ غالبية دول مجلس التعاون الخليجي على المادة الثانية بصورة خاصة من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979، بحجة تعارض احكام هذه الاتفاقية مع الشريعة الاسلامية يقصد منه التهرب من التزامها في تطبيق هذه الاتفاقية في دولهم. هذا الاسلوب في التعامل مع حقوق المرأة الانسانية يشكل عقبة اساسية امام تحقيق المساواة امام القانون، وبموجب المادة «و» تطالب الاتفاقية الدول الاطراف: بـ«اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير او ابطال القائم من القوانين والانظمة والاعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة».
ان تمكين المرأة الخليجية من حقوقها السياسية والاجتماعية والقانونية وغيرها على قدم المساواة مع الرجل ليست كما يظن بعض متخذي القرارات في الدول العربية مجرد حقوق ورقية لا قيمة لها من الناحية العملية، على الرغم من تدوينها في الدساتير والتشريعات الوطنية وفي المواثيق الدولية الملزمة لهم، وان هذه المواثيق الوطنية والدولية ليس لها في الغالب سوى تأثير طفيف او عدم تأثير على الاطلاق اذا تعارضت مع العادات والتقاليد المناهضة للحقوق الانسانية للمرأة، وخطورة هذه السياسة التمييزية عرقلة استدامة هذه الحقوق الاساسية للمرأة في هذه الدول.
تجاهل
يؤكد هذا الاتجاه تجاهل المؤسسات الرسمية الخليجية لليوم العالمي للمرأة، الذي يهدف بالدرجة الاولى الى تذكير الحكومات بصورة خاصة ومنظمات المجتمع المدني بالانجازات التي تحققت للمرأة في دولهم، وتسليط الضوء على احتياجات واهتمامات المرأة في الخطط الوطنية والاقليمية، مع ابراز العقبات التي تحول دون تحقيق المساواة في الحقوق للمرأة واستدامتها على المستويين الوطني والدولي.
الجدير بالذكر، ان شعار اليوم العالمي للمرأة لهذه السنة بعنوان «المساواة في الحصول على التدريب والتعليم والعلوم والتكنولوجيا.. الطريق الى العمل اللائق للمرأة»، قد اصاب كبد الحقيقة المؤلمة لواقع المرأة الخليجية، حيث تبين الاحصاءات الصادرة من منظمة اليونيسكو لسنة 2010، ارتفاع نسبة الامية الابجدية والامية الحضارية بين المرأة في غالبية الدول العربية وفي دول مجلس التعاون الخليجي ومتوقع استمرار ارتفاعها بحلول 2015. هذه الأرقام لا تبشر بمستقبل واعد للواقع التعليمي للمرأة، حيث إن متوسط نسبة الأمية الأبجدية بين النساء في هذه المنطقة تصل إلى %50، ويقصد بالأمية الأبجدية عدم معرفة المرأة للقراءة والكتابة رغم بلوغها الثانية عشرة من العمر.
غير مقبول
هذا الوضع غير المقبول حضارياً وإنسانياً للمرأة العربية، يتطلب التحرك السريع من القيادات النسائية في دول مجلس التعاون الخليجي، لحث الحكومات والمنظمات النسائية المدنية للقيام بحملة وطنية بالتعاون مع المنظمات العاملة في هذا المجال للحد من الأسباب التي تؤدي إلى ذلك، والعمل على وضع خطط وبرامج لضمان استدامة حق المرأة في التعليم باعتباره حقاً من الحقوق الأساسية للإنسان، ومن حق المرأة أن تشارك في برامج التدريب في هذا المجال. والاتفاق على وضع جدول زمني لتقييم الوضع القائم ووضع خطط قصيرة ومتوسطة المدى للقضاء على الأمية الأبجدية للمرأة أولاً والتعهد بمحو الأمية الحضارية بنسبة %50 للمرأة العربية قبل نهاية القرن الحادي والعشرين. إن المشاركة الفاعلة للحكومات ومنظمات المجتمع المدني مع دول العالم في الاحتفال العالمي للمرأة، ضرورة وطنية وقومية، مهما كان لدينا من تحفظات سياسية بشأن هذه المبادرة أو أهدافها غير المعلنة كما يدعي البعض، طالما انها مناسبة تحث على ترسيخ قيم المواطنة الصحيحة من خلال تغيير أو تطوير الواقع القانوني والسياسي والاجتماعي والتعليمي للمرأة العربية، ولا يخفى ان الألفية الجديدة تشهد تغييراً في المواقف والتحول في كل من المرأة ذاتها وفي موقف المجتمع العربي حول المساواة بين المرأة والرجل في حقوق المواطنة وفي إتاحة الفرص لتحقيق المساواة الإنسانية للمرأة، حيث إن المرأة الخليجية لا تزال بعيدة كل البعد عن المساواة الحقيقية في هذه الدول، مقارنة مع عددهن الفعلي طالما انها تشكل أقلية في العمل النيابي والسياسي وأيضاً في السلك القضائي.
مناسبة
أخيراً ينبغي ان يكون الاحتفال باليوم العالمي للمرأة مناسبة لتقييم الذات أولا وما قدمته كل امرأة متعلمة للمرأة المعاقة اجتماعياً واقتصادياً وتعليمياً، وكيفية العمل على استدامة الحقوق الإنسانية للأجيال القادمة من النساء على قدم المساواة مع الرجل في مجتمع يتسلح بالعلم ويسعى إلى التطور في إطار القيم العربية والمبادئ الإسلامية والدولية التي تعزز المساواة في الحقوق الإنسانية للمرأة في شتى الميادين دون تمييز على أساس الجنس، بهذه المناسبة نناشد الحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي العمل على تفعيل شعار اليوم العالمي للمرأة لسنة 2011، في هذه المنطقة إذا كانت لديهم النية الصادقة في استدامة الحقوق السياسية والإنسانية للمرأة الخليجية.

تسجيل الدخول


صيغة الجوال غير صحيحة

أو يمكنك تسجيل الدخول باسم المستخدم و كلمة المرور