الملف الصحفي


الثلاثاء 11 مارس 2014 - العدد 12671- جريدة الراى

"الغرفة": "هيئة الأسواق" تجاوزت اختصاصاتها في "قواعد الحوكمة"

تقديم: في أواخر مارس 2013، صدر قانون الشركات الجديد (97/2013)، والذي نصت مادته رقم (217) على أن: تضع الجهات الرقابية المعنية قواعد حوكمة الشركات الخاضعة لرقابتها...». وبموجب هذا التفويض، اصدر مجلس مفوضي هيئة أسواق المال، بتاريخ 27/6/2013، القرار رقم 25/2013 بشأن قواعد حوكمة الشركات الخاضعة لرقابة الهيئة.
وواقع الأمر أن قواعد حوكمة الشركات ليست جديدة في الكويت. فقد سبق لسوق الكويت للأوراق المالية أن أصدرت قواعد متفرقة تدخل في إطار الحوكمة. وثمة أحكام عديدة من هذا القبيل في قانون الشركات تنظم الإفصاح عن المعلومات، والإفصاح عن المصالح، وتحول دون تعارض المصالح، وتحفظ حقوق الأقلية، وتضع قيوداً على تداول أعضاء مجلس الإدارة باسهم الشركة... غير أن التطور السريع الذي يشهده تنظيم الشركات المساهمة، وتداول أوراقها وإصداراتها، والانتشار الكبير لقواعد الحوكمة في كثير من المجالات وفي طليعتها حوكمة الشركات، دعا المشرّع الكويتي إلى مواكبة هذا التطور السريع والمتواصل، ودعا هيئة أسواق المال إلى إصدار قرارها المشار إليه.
وغرفة تجارة وصناعة الكويت لا تهدف من مذكرتها هذه إلى مناقشة مفهوم الحوكمة وأهمية تطبيق قواعده، لأنها في طليعة الداعين إلى الإسراع بهذه الخطوة الضرورية والمستحقة، ولأنها تعرف تماماً أن الحوكمة أضحت ضرورة ولم تعد خياراً. وأن المؤسسات الاقتصادية الدولية المؤثرة أصبحت تنظر لنظام الحوكمة في أية دولة باعتباره مقياساً أساسياً لصلاح وشفافية وعدالة بيئتها الاقتصادية والاستثمارية. ما تهدف إليه الغرفة من هذه المذكرة هو التأكد من سلامة وكفاءة قواعد الحوكمة التي أصدرتها هيئة أسواق المال، وذلك من خلال عرض صريح وموضوعي لما أبدته كثير من القطاعات والشركات المعنية بتطبيق هذه القواعد من آراء، ولما خرجت به الغرفة من ملاحظات تتناول هذه القواعد من حيث انسجامها التام مع القواعد الدستورية والضوابط القانونية أولاً، ومن حيث المنهج الذي اختارته الهيئة في وضع قواعد الحوكمة وتنفيذها ثانياً، ومن حيث مواءمة هذه القواعد للبيئة الاجتماعية والمرحلة التنموية في البلاد ثالثاً.
وهنا، تؤكد الغرفة أن القراءة الصحيحة لمذكرتها هذه، لا بد وأن تكون في ضوء الحقائق والاعتبارات التالية:
-1 بعد سنوات قليلة من قيام سوق الكويت للأوراق المالية، دعت الغرفة إلى إيجاد هيئة رقابية لأسواق المال تختص بمهام التشريع والمراقبة والمتابعة، وتترك للسوق (البورصة) مهمة التداول. ومنذ بدء الجهود الرامية إلى إصدار تشريع بانشاء الهيئة المطلوبة، والغرفة تدعم هذه الجهود وتشارك فيها. وللغرفة مواقف معروفة ومعلنة في دعم جهود الهيئة بعد قيامها، وفي تأكيد تقديرها لمنجزات ومناقب مجلس مفوضيها. وفي الدعوة الملحة إلى الاحترام الكامل لاستقلاليتها، والنأي بها عن التسييس، وحمايتها من الضغوط بكافة أشكالها حماية للمصلحة العامة. غير أن الاستقلالية لا تعني العزلة. كما أن هذه الاستقلالية لا بد وأن يوازيها ويقابلها التزام كامل بالموضوعية العلمية والحرفية المهنية والضوابط التشريعية. فمن أهم مبادئ الحوكمة وأهدافها توثيق العلاقة المتبادلة بين مجالس الإدارة والمساهمين وغيرهم من أصحاب المصالح، وعملاً بهذا المبدأ لا بد من أن تنظر الهيئة إلى الشركات التي تخضع لرقابتها باعتبارها شرط وجود الهيئة، ومقياس نبض السوق، وصاحبة المصلحة الفعلية بالإدارة الحكيمة الرشيدة . وبالتالي، فإن العلاقة بين الهيئة والشركات المعنية بقواعد الحوكمة يجب أن تكون علاقة قائمة على الثقة المعززة بالرقابة، وليست علاقة قائمة على الرقابة المنطلقة من الشك.
-2 من الطبيعي والمألوف أن تختلف الاجتهادات بين الجهات الرقابية والتنظيمية من جهة، والأشخاص الطبيعيين والاعتباريين الذين يخضعون لرقابتها وقراراتها من جهة ثانية. ومثل هذا الاختلاف يعتبر مظهراً من مظاهر الحماس وإذكاء روح المبادرة، والدفاع عن مصالح المساهمين. وهنا، علينا أن نذكر أيضاً أن الحماس والإذكاء يمكنهما أن يساعدا في تلافي الخطأ، ويمكنهما – في ذات الوقت – أن يحجبا بعض معالم الطريق.
-3 صحيح أن العديد من الآراء الواردة في هذه المذكرة قد وردت أساساً من ملاحظات شركات ذات مصلحة، ولكن من الصحيح – أيضاً - أن الغرفة لم تنته إلى مذكرتها هذه إلا بعد دراسة عالية الموضوعية ومطلقة الانحياز إلى المصلحة العامة. وفي كل الأحوال، إن صدور الرأي عن صاحب مصلحة يجب ألا يعيب هذا الرأي أو يدفع الى التشكيك في صحته وهدفه، فالعبرة في قيمة النص، وليست في موقع الشخص، وإلا أصبحنا نعالج القضايا بأسلوب محاكمة النوايا. خاصة وان مفهوم الحوكمة يقوم اصلاً على إيجاد توازن عادل بين أصحاب المصالح. وإذا كنا نشيد صادقين بكفاءة وحيادية مجلس مفوضي الهيئة، فإن من واجبنا ومن واجبهم - في آنٍ معاً – ألا ننسى أن هذه المناقب المهنية والشخصية يمكن أن تحصن صاحبها من الخطيئة، ولكنها لا تعصمه
- بالضرورة - عن الخطأ. فكل منا هنا مجتهد، وكل منا مخلص في نيته واجتهاده. وبالتالي، تأمل الغرفة أن تقرأ مذكرتها بهذه الروح ومن هذا المنطلق، والقرار – وإن كان يرشده النقد وينضجه الحوار – يبقى بيد الجهة المسؤولة صاحبة القرار.
I - من حيث السند التشريعي والانضباط القانوني
أولاً- قواعد الحوكمة صدرت استناداً لقانون الشركات ويجب أن تتطابق مع أحكامه:
من اللافت فعلاً أن القانون 7/2010 بشأن إنشاء هيئة أسواق المال لم يعقد للهيئة اختصاص وضع قواعد حوكمة الشركات. وقد اجتهد مجلس مفوضي الهيئة في محاولة تدارك هذه الحقيقة من خلال اللائحة التنفيذية للقانون المذكور، والتي نصت في مادتها الأربعين على وجوب إصدار الهيئة نظاماً خاصاً للحوكمة. غير أن اجتهاد الهيئة هذا قد جانبه التوفيق.
فالقاعدة المستقر عليها قانوناً تقول بان تحديد اختصاص أي هيئة أو جهة هو من عمل القانون، وعلى الجهة أو الهيئة أن تلتزم حدود الاختصاص كما رسمها القانون. وبما أن اختصاصات هيئة أسواق المال قد تحددت في قانونها وعلى سبيل الحصر، فإن من غير الجائز لمجلس مفوضي الهيئة أن يعطيها اختصاصاً جديداً لم يرد ذكره في القانون.
في المقابل، نصت المادة (217) من قانون الشركات رقم 97 لعام 2013، على أن «تضع الجهات الرقابية المعنية قواعد حوكمة الشركات الخاضعة لها بما يحقق أفضل حماية وتوازن بين مصالح إدارة الشركة والمساهمين فيها، وأصحاب المصالح الأخرى المرتبطة بها، كما تبين الشروط الواجب توافرها في أعضاء مجلس الإدارة المستقلين». كما نصت المادة (226) من قانون الشركات على أن «تضع الهيئة القواعد التي تنظم تداول أعضاء مجلس الإدارة في أسهم الشركة وطريقة الإفصاح عنها».
إذن، إن الهيئة تستمد اختصاصها في إصدار قواعد حوكمة الشركات من قانون الشركات (97/2013) وليس من قانون إنشاء الهيئة (7/2010). ويبدو ذلك واضحاً كل الوضوح حين نجد أن الهيئة قد استخدمت في قرار قواعد الحوكمه (الصفحة 3) نفس العبارة الواردة في المادة 217 من قانون الشركات ، فذكرت أن قواعد حوكمة الشركات تتمثل في المبادئ والنظم والإجراءات «التي تحقق أفضل حماية وتوازن بين مصالح إدارة الشركة والمساهمين فيها، وأصحاب المصالح الأخرى المرتبطة بها».
بناء على ذلك، أصبح من الواجب أن يلتزم قرار الهيئة بشأن قواعد حوكمة الشركات بنصوص قانون الشركات ولائحته التنفيذية، فلا يخرج عن إطارهما ولا يزيد عليهما ولا يتوسع في أي من موادهما. إذ أن المستقر عليه في المبادئ القانونية العامة أن هناك سلم لتدرج القواعد التشريعية؛ فالدستور يأتي على رأس الهرم التشريعي، ثم تأتي بعده القوانين والمعاهدات الدولية، تليها اللوائح التنفيذية، ثم القرارات وبعدها التعليمات. بمعنى أن القاعدة التشريعية الأدنى يجب أن تدور في فلك القاعدة الأعلى منها، فلا يجوز للقانون أن يخرج من عباءة الدستور، ولا يجوز للائحة التنفيذية أن تخالف القانون، ولا مجال أمام القرار إلا أن يلتزم باللائحة.
وقد أجمع الفقه على أن اللائحة (ومن باب أولى القرار) يجب ألا تخرج عن القانون تعديلاً أو إلغاء أو إضافة. كما أجمع الفقه على أن العلاقة بين اللائحة والقانون (ومن باب أولى القرار) لا يكفي أن تكون متوافقة، بل يجب أن تكون متطابقة، بحيث لا تتضمن اللائحة إلا الأحكام اللازمة لتنفيذ القانون ووضعه موضع التطبيق. وقد استقرت محكمة هيئة أسواق المال – الدائرة الاستئنافية الإدارية على ذات المبدأ بخصوص القرارات التي تصدرها هيئة أسواق المال، وذلك في ثلاثة أحكام متتالية هي: الحكم في الدعوى 3 و6 و7، والحكم في الدعوى 2 و 4 و 8، والحكم في الدعوى 1 و5 و9 والتي صدرت كلها بتاريخ 13 فبراير 2012.
وخلاصة القول هنا ؛ إن قواعد الحوكمة يجب أن تتطابق مع أحكام قانون الشركات فتتضمن القواعد التنفيذية لأحكامه دون أي خروج عن التفويض الممنوح في القانون، ودون أي تعديل أو تعطيل أو إلغاء لأي حكم من أحكام القانون.
ثانياً- خروج قواعد الحوكمة عن ضوابط وأحكام قانون الشركات:
1 - التوسع في مفهوم الشركات الخاضعة خلافاً لصريح المادة (217) من قانون الشركات.
فوضت المادة 217 من قانون الشركات لكل جهة رقابية وضع قواعد الحوكمة للشركات التي تخضع لرقابتها، وذلك تجنباً للتداخل بين الجهات الرقابية (بنك الكويت المركزي، هيئة أسواق المال، ووزارة التجارة والصناعة). فما هي الشركات التي تخضع لرقابة هيئة أسواق المال، والتي تكون – بالتالي – خاضعة لقواعد الحوكمة التي أصدرتها الهيئة بقرارها (25/2013) ؟
نجد الإجابة على هذا التساؤل الأساسي في البند الرابع من المادة الخامسة من قانون هيئة أسواق المال، والذي ينص على أن تقوم الهيئة «بمراقبة نشاط الأشخاص المرخص لها بموجب هذا القانون». والأشخاص المرخص لها بموجب قانون الهيئة ولائحته التنفيذية هي: البورصة، المقاصه، شركات الوساطة المسجلة لدى البورصة، صناديق الاستثمار، شركات الاستثمار، ووكالات التصنيف الائتماني. وبالتالي، تخرج من نطاق الأشخاص الخاضعة لرقابة الهيئة تلك التي لا تعمل في اي من نشاطات الأوراق المالية المشار إليها حتى ولو كانت مدرجة في البورصة. فتخرج من رقابة الهيئة البنوك، وشركات الصناعة والعقار والخدمات غير المالية، وكذلك الشركات الأجنبية المدرجة في البورصة.
وبتطبيق هذا على قرار الهيئة بشأن قواعد حوكمة الشركات، نجد أنه على الرغم من الإشارة في عنوان القرار وفي مادتيه الأولى والثانية إلى أن هذه القواعد خاصة بالشركات الخاضعة لرقابة هيئة أسواق المال، فإن القواعد تنص على وجوب العمل بها من قبل الشركات المدرجة في البورصة حتى لو لم تكن مرخص لها من قبل الهيئة، أي غير خاضعة لرقابتها. ذلك أن مادة التعريفات، في قرار قواعد الحوكمة، قد نصت على أن الشركات الخاضعة لهذه القواعد هي: «الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية (سواء من الأشخاص المرخص لهم أو من غير المرخص لهم) والشركات غير المدرجة المرخص لها.. وفي اعتقادنا أن هذا التعريف قد توسع إلى ابعد مما يجب، وأول دليل على ذلك أنه لم يستثن المصارف. والدليل الثاني على التوسع غير المبرر في تعريف «الشركات الخاضعة»، هو أنه أدخل شركات الصناعة والعقار والخدمات غير المالية المدرجة، بينما لا تعتبر هذه الشركات خاضعة إذا لم تكن مدرجة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي؛ إذا كانت المصارف تخضع لرقابة البنك المركزي ولا تخضع لقواعد الحوكمة الصادرة عن الهيئة رغم أنها مدرجة، لماذا لا تخضع الشركات الصناعية والعقارية والتجارية والخدمية (غير المالية) لقواعد الحوكمة التي تصدرها وزارة التجارة والصناعة، باعتبارها الجهة الرقابية عليها والتي تصدر تراخيص تأسيسها؟
وخلاصة القول ؛ أنه لا يجوز لقرار صادر عن جهة ما أن يخالف القانون أو اللائحة التنفيذية للقانون الأعلى منه مرتبة في السلم التشريعي، وبالتالي، فإننا نعتقد أن قرار الهيئة رقم 25/2013 بشأن قواعد حوكمة الشركات قد خالف نص المادة (217) من قانون الشركات وتجاوز التفويض الذي منحته للهيئة في هذا الصدد، والذي يفترض أن يقف – في اعتقادنا – عند الشركات التي تقدم خدمات مالية والأشخاص المرخص لها سواء كانت مدرجة أو غير مدرجة.
-2 التوسع في تفسير المادة (217) من حيث مجالات قواعد الحوكمة:
من جهة أخرى توضح المادة (217) من قانون الشركات المجالات التي يجب أن تنظمها قواعد الحوكمة، حيث تنص على أن «تضع الجهات الرقابية المعنية قواعد حوكمة الشركات التابعة لرقابتها، وبما يحقق أفضل حماية وتوازن بين مصالح إدارة الشركة والمساهمين فيها، وأصحاب المصالح الأخرى المرتبطة بها، كما تبين الشروط الواجب توافرها في أعضاء مجلس الإدارة المستقلين».
والجدير بالذكر أن نص هذه المادة هو صيغة معدلة عن نصها الذي ورد بالمرسوم 25/2012 بإصدار قانون الشركات، والذي كان كما يلي: «تضع الجهات الرقابية المعنية قواعد حوكمة الشركات الخاضعة لرقابتها، بما يكفل إدارة الشركات على نحو سليم لتحقيق أفضل عوائد ممكنة للمساهمين، وبما يراعي حقوق الأقلية والرقابة والشفافية وعدم تعارض المصالح، كما تبين الشروط الواجب توافرها في أعضاء مجلس الإدارة المستقلين».
وبمقارنة النصين، نجد أن المشّرع أراد تقليص المجالات التي تخاطبها قواعد الحوكمة، غير أن الهيئة ذهبت في الاتجاه المعاكس فتوسعت في قواعدها وفي مجالاتها وتفاصيلها أكثر من أية مدونة أخرى لقواعد الحوكمة ليس في المنطقة فحسب ، بل وفي كثير من الدول ذات الأسواق المتقدمة والناشئة على حد سواء. ومن ضمن المجالات التي توجهت إليها القواعد خروجاً على نص المادة (217) سالفة الذكر، تحديد المهام والمسؤوليات (قاعدة 2)، تعزيز السلوك المهني والقيم الأخلاقية (قاعدة 6)، تعزيز وتحسين الأداء (قاعدة 10)، وأهمية المسؤولية الاجتماعية (قاعدة 11).
-3 مبادئ تخالف قانون الشركات ولائحته التنفيذية :
من المستقر تشريعاً وإجماعاً – كما ذكرنا – أن اللوائح والقرارات والتعليمات لا يجوز لها أن تتضمن أي إضافة أو تعديل أو تعطيل أو تقييد لأحكام القانون الذي تتعلق به، باعتباره بموقع أسمى في سلم التشريعات. وباستعراض مواد قرار الهيئة رقم 25/2013 بشأن إصدار قواعد حوكمة الشركات الخاضعة لرقابتها، نلاحظ أن العديد من مبادئ اللائحة جاء مخالفاً لأحكام قانون الشركات. وقد أخذت معظم هذه المخالفات اتجاهاً واحداً هو اتجاه التزيد والتشدد إن صح التعبير. وفيما يلي عرض لعدد من هذه المخالفات ، نوردها على سبيل المثال وليس من باب الحصر:
أ- ينص المبدأ 1/1 (أ) على أن: «يحدد نظام الشركة الأساسي عدد أعضاء مجلس الإدارة على ألا يقل عن خمسة أعضاء».
وبما أن هذه القواعد تنطبق على الشركات المرخص لها غير المدرجة – وهي عادةً تكون شركات مساهمة مقفلة – فإن هذا المبدأ يخالف المادة (265) من قانون الشركات التي تنص على أنه يجب ألا يقل عدد أعضاء مجلس الإدارة في شركات المساهمة المقفلة عن ثلاثة أعضاء.
ب- بموجب المبدأ 1/1 (د) «يحظر الجمع بين منصب رئيس مجلس الإدارة ومنصب الرئيس التنفيذي».
وبما أن هذه القواعد تنطبق على الشركات المرخص لها غير المدرجة، وهي عادة تكون شركات مساهمة مقفلة، وحيث أن المادة (265) من قانون الشركات لم تأت بهذا الحظر بالنسبة لشركات المساهمة المقفلة، بل إن المادة (187) من اللائحة التنفيذية للقانون قد نصت صراحة على جواز الجمع بين منصبي الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة في شركة المساهمة المقفلة، فإن من الواضح وجود تعارض بين هذا المبدأ وقانون الشركات ولائحته التنفيذية.
ج- يحول المبدأ 1/1 (و) دون أن يكون الشخص عضواً في مجالس إدارة أكثر من خمس شركات مساهمة مركزها في الكويت في آن واحد، كما يحول دون أن يشغل عضوية مجلس إدارة شركة مشابهة أو منافسة، أو أن يكون رئيساً لمجلس إدارة في أكثر من شركة مساهمة واحدة مركزها في الكويت».
وهذا المبدأ أضاف مسألة لم تكن في القانون، وهي مسألة ألا يكون العضو عضواً في مجلس إدارة شركة أخرى مشابهة، حيث لم يحظر قانون الشركات ذلك الأمر وبالتالي ، يعتبر إضافة غير جائزة على القانون، خاصة أن هذا الحظر كان موجوداً في قانون الشركات الملغي، وقد أراد قانون الشركات الحالي حذفه لعدم جدواه .
كما تضمن هذا المبدأ مخالفة أخرى لأحكام الشركات المساهمة المقفلة المرخص لها، والتي لا يحظر فيها القانون الجمع بين منصب رئيس مجلس الإدارة في أكثر من شركة مقفلة، وهو ما نصت عليه صراحة المادة (187) من اللائحة التنفيذية لقانون الشركات.
د- بموجب المبدأ 1/1 (ز)، يحق للجمعية العامة للشركة «إقالة رئيس مجلس الإدارة أو أحد أعضاء هذا المجلس بناءً على اقتراح صادر من المجلس بالأغلبية المطلقة، أو بناءً على طلب موقع من عدد من المساهمين يملكون ما لايقل عن ربع رأس المال المكتتب به».
وهذا المبدأ يخالف صريح المادة (243) من قانون الشركات، حيث حددت هذه المادة على سبيل الحصر من لهم الحق في طلب إقالة رئيس أو أحد أعضاء المجلس أو حل المجلس، وهم المساهمون الذين يملكون ربع رأس المال على الأقل، ولم تعط هذا الحق لمجلس إدارة الشركة كما جاء بالمبدأ سالف الإشارة. كما أن قانون الشركات لم يشترط أن يكون هناك طلب موقع من المساهمين كما جاء في المبدأ، مما يمثل قيداً على حقوق المساهمين الوارد في قانون الشركات الذي اشترط مجرد صدور اقتراح بالإقالة سواء أكان كتابياً أو شفوياً أثناء الاجتماع.
ه- تبعاً للمبدأ 1/1 (ح)، «لا يجوز للشخص الاعتباري – الذي يحق له بحسب نظام الشركة تعيين ممثلين له في مجلس الإدارة – التصويت على اختيار الأعضاء الآخرين في مجلس الإدارة».
وهذا المبدأ يخالف صريح المادة (219) من قانون الشركات، التي أجازت للمساهمين الذين لهم ممثلين في مجلس الإدارة الاشتراك مع المساهمين الآخرين في انتخاب باقي أعضاء مجلس الإدارة، في حدود ما زاد عن النسبة المستخدمة في تعيين ممثليهم في مجلس الإدارة.
و- بموجب الفقرة الأخيرة من المبدأ 2/1 (ب) « يجب ألا ينعقد اجتماع مجلس إدارة الشركة إلا بحضور أحد الأعضاء المستقلين» وهذا المبدأ يخالف نص المادة (221) من قانون الشركات التي اشترطت لصحة انعقاد المجلس أن يحضره نصف الأعضاء، على أن لا يقل عدد الحاضرين عن ثلاثة، وبالتالي فإن المبدأ المشار إليه يضيف شرطاً جديداً لصحة انعقاد مجلس الإدارة لم ينص عليه القانون.
ز – يفرض المبدأ 3/1 (5) على عضو مجلس الإدارة غير المستقل أن يحضر ( بشخصه ) أربعة اجتماعات في السنة على الأقل، ويجب على العضو المستقل حضور ما لا يقل عن 75 % من اجتماعات المجلس، كما يجب على أعضاء المجلس المستقلين حضور كافة الاجتماعات التي سيتم فيها اتخاذ قرارات هامة جوهرية قد تؤثر على الشركة». ولا نعلم ما المقصود بكلمة ( بشخصه)؟
إن كل ما ورد في هذا المبدأ يمثل أحكاماً مضافة على قانون الشركات، الأمر غير الجائز قانوناً، خاصة وأن المادة (217) والتي فوضت الهيئة في وضع قواعد الحوكمة للشركات الخاضعة لرقابتها لم تتطرق إلى مسألة تنظيم اجتماعات مجلس الإدارة أو كيفية الحضور فيه.
ح – يفرض المبدأ 2/2 على مجلس الإدارة أن يقوم بتشكيل لجان متخصصة تتمتع بالاستقلالية، وذلك لكي تساعده على أداء المهام المناطة به».
وهذا المبدأ قد خالف قانون الشركات في أنه جعل تشكيل اللجان أمراً إلزامياً على مجلس الإدارة، بينما هو أمر جوازي وفقاً للمادة (216) من قانون الشركات والتي تنص على أن « لمجلس الإدارة أن يوزع العمل بين أعضائه وفقاً لطبيعة أعمال الشركة، كما يجوز للمجلس أن يفوض أحد أعضائه أو لجنة من بين أعضائه أو أحداً من الغير في القيام بعمل معين أو أكثر أو الإشراف على وجه من وجوه نشاط الشركة، أو في ممارسة بعض السلطات أو الاختصاصات المنوطة بالمجلس».
ط – يقضي المبدأ 1/3 بتطبيق شروط الكفاءة والنزاهة للأشخاص المرشحين لعضوية مجلس الإدارة والتي تشترط في الأعضاء مؤهلات دراسية وعملية وفنية معينة، ورغم أن هذه الشروط مفروضة في الشركات المرخص لها فإن فرضها على الشركات المدرجة غير المرخص لها يمثل تزيداً على ما جاء في المادة (244) من قانون الشركات.
ي – يمنع المبدأ 2/6 على الشركة « أن تقدم تسهيلات ائتمانية من أي نوع لأعضاء مجلس إدارتها، أو أن تضمن أي قرض يعقده واحد منهم مع الغير».
والحظر كما ورد في هذا المبدأ – وبصرف النظر عن مبرراته – جاء حظراً مطلقاً بخلاف ما نصت عليه المادة (231) من قانون الشركات، والتي حظرت هذه التصرفات على غير البنوك والشركات التي يجوز لها الإقراض ما لم يكن هناك تفويض خاص من الجمعية العامة للشركة. وبالتالي، فإن القانون لم يحظر هذه التصرفات بشكل مطلق بينما فعلت القواعد ذلك.
ك – يوجب المبدأ 2/7 أن تتضمن التقارير المالية حوالي (20) بياناً مختلفاً، بينما الزمت المادة (261) من قانون الشركات أن تتضمن التقارير سبعة بيانات فقط، تضاف إليها أيه بيانات أخرى تحددها اللائحة التنفيذية. وبالفعل، أضافت اللائحة التنفيذية لقانون الشركات بيانين إضافيين، إلا أن قواعد الحوكمة أتت بحوالي إحدى عشر بياناً إلزامياً إضافياً يجب أن تتضمنها التقارير المالية، مما يُعد مخالفاً لقانون الشركات. ذلك أنه ليس لقرار قواعد الحوكمة أن يضيف على تلك البيانات أي بيانات أخرى لأن ذلك من اختصاص اللائحة التنفيذية لقانون الشركات.
ل – يوجب المبدأ 2/8 (1) أن تحتفظ الشركة بسجل للمساهمين بخلاف سجل المساهمين الذي يتم حفظه لدى وكالة المقاصة، وهذا يخالف المادة (156) من قانون الشركات التي أوجبت الاحتفاظ بسجل واحد للمساهمين لدى وكالة المقاصة حيث نصت هذه المادة على أن : «يكون للشركة سجل خاص يحفظ لدى وكالة مقاصة، تقيد فيه أسماء المساهمين وجنسياتهم وموطنهم وعدد الأسهم المملوكة لكل منهم ونوعها والقيمة المدفوعة عن كل سهم».
م – يوجب المبدأ 2/8 (2) أن تحتفظ الشركة بسجل لحاملي السندات والصكوك بخلاف سجل حاملي السندات والصكوك الذي يتم حفظه لدى وكالة المقاصة، وهذا يخالف المادة (201) من قانون الشركات التي أوجبت الاحتفاظ بسجل واحد لحاملي السندات والصكوك لدى وكالة المقاصة حيث نصت هذه المادة على أن: «يكون للشركة سجل خاص لدى وكالة مقاصة تقيد فيه أسماء حملة السندات أو الصكوك وجنسياتهم وموطنهم وعدد السندات أو الصكوك المملوكة لكل منهم – ما لم تكن لحامله – ونوع السندات أو الصكوك والقيمة المدفوعة منها».
ن – يحظر المبدأ 3/8 (2) أن يعطي المساهم لأعضاء مجلس الإدارة أو الموظفين بالشركة توكيلاً في حضور الجمعية العامة. وهذا القيد لم يرد في قانون الشركات حيث نصت المادة (239) على أنه: «يجوز للمساهم أن يوكل غيره في الحضور عنه وذلك بمقتضى توكيل خاص أو تفويض تعده الشركة لهذا الغرض». بمعنى أن حق المساهم مطلق في توكيل من يشاء سواء، كان عضو مجلس الإدارة أو موظفاً في الشركة، ومن ثم فلا يجوز لقواعد الحوكمة أن تقيد هذا النص وتحظر التوكيل لبعض الأشخاص.
ثالثاً - تجاوز الضوابط القانونية في تنظيم تداول اسهم الشركات من قبل أعضاء مجلس إدارتها:
عهدت المادة (22) من قانون الشركات إلى الهيئة وضع القواعد التي تنظم تداول أعضاء مجلس الإدارة في أسهم الشركة وطريقة الافصاح عنها «وبناء على ذلك أصدرت الهيئة تعليماتها بهذا الشأن تحت رقم ( ه.أ.م/ق.ر/ح.ش/5/2013 ). وأوضحت الهيئة في مقدمة هذه التعليميات أنها أصدرتها «في إطار تطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة» وبما أننا نعتقد أن هذه التعليمات قد حفلت بالعديد من المخالفات الواضحة ليس فقط لقانون الشركات، بل لقواعد دستورية ثابتة أيضاً- وكما سنثبت من خلال الأمثلة الواردة أدناه – فإن من المنطقي أن ندرج مناقشة هذه التعليمات في إطار مذكرتنا هذه والمعنية بمناقشة قواعد حوكمة الشركات.
< نصت المادة (226) من قانون الشركات على أن تضع الهيئة القواعد المنظمة لتداول أعضاء مجلس الإدارة في أسهم الشركات التي يشغلون عضوية مجلس إدارتها. إلا أن تعليمات الهيئة في هذا الشأن امتدت إلى زوج عضو مجلس الإدارة وأقاربه من الدرجة الأولى. كما شملت أعضاء الجهاز التنفيذي بالشركة من المطلعين وأزواجهم وأقاربهم من الدرجة الأولى.
إضافة إلى ذلك لم تتقيد «التعليمات» بما جاء في المادة (226) المذكورة من حيث قصر تطبيقها على مجلس إدارة الشركة المصدرة للأسهم، بل تجاوزت ذلك إلى الشركات الأم أو التابعة أو الزميلة للمصدر.
وبذلك تكون «التعليمات» قد قيدت تصرفات عضو مجلس الإدارة ليس فقط في الشركة التي يشغل فيها منصب العضوية، بل وفي الشركة الأم والتابعة والزميلة. كما تكون هذه التعليمات قد مدت القيود من أعضاء مجلس الإدارة إلى المطلعين من الجهاز التنفيذي، وإلى أزواجهم وأقاربهم من الدرجة الأولى ، وكل هذا بالتجاوز على المادة (226) من قانون الشركات.
< بينما قصرت المادة (226) تنظيمها على الاسهم، نجد أن «التعليمات» قد سحبت هذا التنظيم ليشمل كافة الأوراق المالية أي: الأسهم المزمع اصدارها لزيادة رأس المال، والسندات والقروض، والأدوات الأخرى القابلة للتحويل إلى أسهم، وأي حقوق أو خيارات أو مشتقات تتعلق بالأسهم (مثل حق التصويت، والأرباح ، وأسهم المنحة ، وأي أداة تنشأ أو تقر مديونية تم أو سيتم إصدارها بواسطة الشركة ). وهكذا ، تكون «التعليمات» قد تجاوزت الحدود المرسومة لها بموجب المادة (226) من القانون.
< نص البند ( أولاً ) والخاص بالتعريفات في «تعليمات الهيئة» موضع البحث، على أن «المصدِر هو الشركات المساهمة المصدرة للورقة المالية» . وهذا التعريف المطلق يشمل كل شركات المساهمة المدرجة والشركات المقفلة غير المدرجة. وهذا ما لا يتفق مع نص المادة (265) من قانون الشركات الذي أجاز لعضو مجلس إدارة شركة المساهمة المقفلة التصرف بأسهمه في الشركة أثناء عضويته في مجلس إدارتها.
< «التعليمات » الصادرة عن الهيئة لا تنظم تداول أعضاء مجلس إدارة الشركة بأسهمها ( كما جاء في قانون الشركات ) بل هي في واقع الأمر تحظر هذا التداول.
ونص المادة (226) لم يحرم عضو مجلس الإدارة من التصرف فيما يملكه وإنما جعل تصرفه مشروط بالحصول على موافقة مسبقة من الهيئة. وبذلك يوفر المشرّع للهيئة فرصة مراقبة التصرفات التي يجريها عضو مجلس الإدارة للتحقق من سلامتها وخلوها من أية شبهه بعدم النزاهة. وقد أكد المشرع هذا المعنى بتفويض الهيئة في وضع القواعد التي تنظم تداول أعضاء مجلس الإدارة في أسهم الشركة وطريقة الإفصاح عنها ، إلا أن الثابت أن الهيئة قد حظرت على اعضاء مجلس الإدارة التصرف في أسهمهم إلا في الحالات التالية :
- نقل ملكية الأسهم نتيجة الإرث والوصية.
- نقل ملكية الأسهم نتيجة حكم قضائي.
- نقل ملكية الأسهم من وإلى أو بين المحافظ المدارة من قبل الشركات المرخص لها شريطة أن يكون النقل لصالح مالك الأسهم الأصلى.
- استكمال الحد الأدنى من أسهم ضمان العضوية.
والواقع أن هذه الإستثناءات التي أوردتها الهيئة لا تعتبر من قبيل التداول ، لأن تصرف عضو مجلس الإدارة في هذه الحالات لا يمكن أن ينطوى على شبهة عدم نزاهة أو ممارسة غير سليمة. فحالة الإرث واجبة بقوة القانون ، وكذلك الحال بالنسبة للوصية لأن نفاذها معلق على وفاة الموصي ، وكذلك حالة نقل الملكية نفاذاً لحكم قضائي ، ذلك أنه لو لم يكن تملك العضو جائزاً لما صدر له حكم قضائي يوجب نقل الملكية إلى إسمه. أما النقل بين المحافظ فهو ليس من قبيل التداول أصلاً لأنه استبدال للوكلاء المسجلة الأسهم باسمهم ، وستظل الأسهم ملكاً لعضو مجلس الإدارة.
«التعليمات» – إذن – لم تنظم التداول ، بل حظرت على العضو التداول، واجازت تسجيل أسهم باسمه اثناء فترة عضويته في حالات لا تستدعي بحسب طبيعتها أن يحصل بشأنها على موافقة مسبقة من الهيئة.
< حدد الدستور الكويتي بعض الموضوعات التي أوجب تنظيمها بموجب قانون بحيث لا يجوز للسلطة اللائحية التدخل فيها . ومن هذه الموضوعات حرية إبداء الرأي (م 29) ، الحق في التعليم ( م 40) ، وتنظيم حرية الصحافة ( م 37 )، وصيانة الملكية الخاصة ( م 16) ، وحق الملكية الفردية ورأس المال (م 18).
وعلى ذلك ، فإن كل ما يتعلق بهذه الموضوعات هو من اختصاص القانون المتعلق به، بحيث لا يمكن للائحة أن تتدخل سوى لتنفيذ القوانين المتعلقة بها ، لأن نصوص الدستور قاطعة في أن تنظيم هذه المسائل يكون بقانون . ويترتب على هذه النصوص التزام كل من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بها، فلا تملك السلطة التشريعية أن تفوض الحكومة بشأنها ، ولا تملك السلطة التنفيذية أن تصدر من تلقاء نفسها لوائح في هذا المجال.
وقد نصت المادة (18) من الدستور الكويتي على أن «الملكية الخاصة مصونة فلا يمنع أحد من التصرف في ملكه إلا في حدود القانون ...».
كما نصت المادة (16) من الدستور على أن «الملكية ورأس المال والعمل مقومات أساسية لكيان الدولة الإجتماعي وللثروة الوطنية ، وهي جميعاً حقوق فردية ذات وظيفة اجتماعية ينظمها القانون».
وهكذا يكون الدستور الكويتي قد نص صراحة على أن حق الملكية هو أحد المواضيع التي لا يجوز تنظيمها إلا بقانون ، كما نص على أنه لا يجوز منع أحد من التصرف في ملكه إلا في حدود ينظمها القانون. وبالتالي لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تصدر لوائح تتصدى لتقييد حق الملكية بأي شكل من الأشكال.
وبما أن قانون الشركات التجارية قد حدد حالات عدم جواز التصرف في الأسهم (مثل المادة 172) التي حظرت التصرف في الأسهم إلا بعد أن تصدر الشركة أول ميزانية لها ( والمادة 171 ) التي منعت تصرف المؤسسين في أسهمهم إلا بعد مضي سنتين من التأسيس، فإن القانون يكون قد تكفل بالحدود التي لا يجوز فيها التصرف في الأسهم ، وعليه فلا يجوز للائحة أن تتدخل بالتعديل أو الإضافة في هذا المجال الذي حدده ونظمه القانون طبقاً لأحكام الدستور.
وبتطبيق ذلك على التعليمات التي وضعتها الهيئة نجد أن هذه التعليمات قد حظرت على أعضاء مجلس الإدارة التداول في أسهم الشركات الأم أو التابعة أو الزميلة خلال فترات معينة ، كما أنها وسّعت هذا الحظر ليشمل المطلعين من الجهات التنفيذية وازواج هؤلاء جميعاً ، وأقرباءهم . وبصرف النظر عن مبررات مثل هذا الحظر من الناحية العملية ، يبقى فرضه من المسائل التي يجب أن ينظمها القانون ولا يجوز أن يقرر بتعليمات.
II - من حيث منهجية الهيئة في وضع قواعد الحوكمة
اعتمدت غالبية الجهات الرقابية لدى وضعها لقواعد الحوكمة على المبادئ الرئيسية التي أقرتها المنظمة الدولية لأسواق المال، والتي تتكون من 38 مبدأ، موزعة على تسع مجموعات رئيسية. ومن بين هذه المجموعات اثنتان فقط تتعلقان بحوكمة الشركات المصدرة للأوراق المالية (وتقوم على المبادئ 16، 17 و18)، وبحوكمة الشركات العاملة في مجال الأوراق المالية (وتقوم على المبادئ 29 – 32). وفي التقييم الذي أصدرته عامي 2011 و2013 عن تطبيق هذه المبادئ، أكدت هذه المنظمة الدولية المرجعية أن “تنظيم أسواق الأوراق المالية والمشتقات هام جداً، غير أن اختيار التنظيم غير المناسب يمكن أن يفرض على هذه الأسواق أعباء غير مبررة ويعرقل تطورها ونموها. فالقواعد المنظمة يجب أن تساعد على تكوين رأس المال وتحقيق النمو الاقتصادي، كما يجب أن تعترف بفوائد المنافسة وتفسح لها في المجال”.
والقراءة المقارنة والمتمعنة لمدوّنة قواعد الحوكمة التي أصدرتها هيئة أسواق المال في الكويت، تبيّن بوضوح أن منهجية الهيئة في وضع هذه القواعد اتسمت بصفات رئيسة ثلاث: التوسع، والتشدد، والإلزام. وهذا ما نحاول عرضه فيما يلي:
أولاً- التوسع والتشدّد :
جاءت مدونة الحوكمة التي أصدرتها الهيئة ب 70 صفحة تتضمن 32 مبدأ، موزعة على 11 قاعدة. بينما اتسمت لائحة الحوكمة السعودية بالخلو من أي تعقيد، فلم يتجاوز حجمها 19 صفحة تضمنت 15 مبدأ، موزعة على ثلاثة محاور فقط هي: حقوق المساهمين، والإفصاح والشفافية، ومجلس الإدارة. وحذت ضوابط الحوكمة الإماراتية حذو اللائحة السعودية، من حيث المحاور، فجاءت في 16 مادة، و17 صفحة. وركزت اللائحة البحرينية على مجلس الإدارة والعلاقة مع المساهمين من خلال 25 صفحة. وهذا نفس حجم لائحة الحوكمة المصرية، ودليل الحوكمة الأردنية.
أما دليل حوكمة الشركات بالمملكة المتحدة في طبعته الصادرة عام 2012، فقد أضاف إلى المحاور الثلاثة المذكورة محور «حوكمة الشركات»، ومحور «الرقابة والتدقيق الداخليين». وصدر في 18 مبدأ، و34 صفحة، منها 20 صفحة للمبادئ، والباقي للمقدمة والمرافق.
ورغم كفاية هذه المقارنة للتدليل على مدى مبالغة الهيئة بالدخول في التفاصيل، فإن شاهداً آخر على ذلك يتمثل في اللجان المتخصصة والمنبثقة عن مجالس إدارة الشركات. فقد أوجبت قواعد الحوكمة في كل من الأردن والإمارات والسعودية ومصر إنشاء لجنتين على الأقل، وتركت للشركة خيار إقرار أية لجان أخرى تراها ضرورية. واكتفى دليل الحوكمة في المملكة المتحدة بفرض لجنة واحدة فقط. أما هيئة أسواق المال في الكويت فقد أوجبت إنشاء خمس لجان على الأقل. وتدخلت بأدق تفاصيل تشكيل هذه اللجان، فذكرت حول تشكيل لجنة الترشيحات، على سبيل المثال، أن عدد أعضائها يجب ألا يقل عن ثلاثة، ويجب أن يكون بينهم عضو مستقل واحد على الأقل، وأن يكون رئيسها عضو مجلس إدارة غير تنفيذي، وحظرت على رئيس مجلس الإدارة عضوية اللجنة. ويسري هذا الإمعان في التفاصيل على كل اللجان الخمس. وفوق هذا كله تنص قواعد الحوكمة على وجوب أن تصدر الجمعية العامة للشركة – بناء على اقتراح مجلس الإدارة – قواعد اختيار أعضاء اللجان ومدة عضويتهم وأسلوب عملهم. ولا ننسى هنا أن قانون الشركات لم يلزم مجلس الادارة بتشكيل أية لجنة ، وترك إقرار ذلك لمجلس الادارة .
أما عن “تشدّد” مدوّنة الحوكمة، فإن أول شواهده هو التوسع في التفاصيل بحد ذاته. لأن هذه المبالغة تمثل شكلاً من أشكال التشدد. وقد سبق أن عرضنا نماذج عن تجاوز قواعد الحوكمة لقانون الشركات ولائحته التنفيذية، بل ولعدد من القواعد الدستورية. وهي نماذج اتجهت كلها في تجاوزها باتجاه التشدد، إذ زايدت على ما فرضه القانون ولائحته.
ومن أهم شواهد التشدد أيضاً أن الهيئة اعتبرت قواعد الحوكمة التي أصدرتها نافذة ويجب العمل بها من تاريخ صدورها بقرار الهيئة. وهذا النفاذ يشمل كل القواعد والمبادئ والتفاصيل الواردة بقرار الهيئة رقم 25/2013 دفعة واحدة، ودون أي تدرج.
ثانياً- إلزامية تطبيق كافة القواعد والمبادئ :
جاء في آخر صفحات قواعد الحوكمة التي أصدرتها الهيئة أنه “يتعين تزويد الهيئة بشكل دوري ربع سنوي بما يفيد تنفيذ المتطلبات الواردة في قواعد حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة أسواق المال... وأن يتم الالتزام بما جاء في هذه القواعد خلال مدة أقصاها 31 ديسمبر 2014. هذا مع مراعاة قيام الشركة بالتطبيق الفوري لأي مبدأ أو متطلب ورد في هذه القواعد وله صفة تشريعية ملزمة... وإن عدم الالتزام بهذه القواعد من شأنه أن يعرض المخالف للمساءلة التأديبية وفقاً للقانون رقم 7/2010 ولائحته التنفيذية”.
تبعاً لذلك، تكون الهيئة قد أخذت بمنهج إلزامية القواعد، واعتبرت أن عدم امتثال الشركات فور دخول القواعد حيز التنفيذ سيعرضها للجزاءات الملائمة. وقد أخذت دولة الإمارات العربية المتحدة بمنهج إلزامية القواعد هذا. أما الأردن والبحرين والسعودية ومصر، فقد أخذت بقاعدة “الالتزام أو التفسير” (Comply OR Explain)، الذي كانت لجنة Sir Cadbury في المملكة المتحدة أول من أوصى الجهات الرقابية بإتباعها. وتقوم قاعدة الالتزام أو التفسير – أي تفسير عدم الالتزام – على أن الجهة الرقابية تضع للشركات دليلاً للحوكمة، وتطبق كل شركة من مبادئ الدليل ما يتناسب مع حجمها وطبيعة نشاطها، كما تقوم بالإفصاح عما لم تطبقه من مبادئ وردت بالدليل، وتبين أسباب عدم أخذها بتلك المبادئ، تاركة لأصحاب المصالح، بمن فيهم المساهمين، أن يقرروا – في ضوء ذلك – التعامل مع الشركة أو الاستثمار فيها. كما يقع على عاتق المساهمين توجيه إدارة الشركة نحو الالتزام بالمبادئ بشكل تدريجي وصولاً إلى الالتزام التام بالقواعد.
وقد جاء في المادة الأولى من لائحة حوكمة الشركات بالمملكة العربية السعودية، أن هذه اللائحة “تعتبر استرشادية لجميع الشركات المدرجة في السوق المالية ما لم ينص نظام أو لائحة أخرى أو قرار من مجلس الهيئة على إلزامية بعض ما ورد فيها من أحكام... ويجب على الشركات الالتزام بالإفصاح في تقرير مجلس الإدارة عما تم تطبيقه من أحكام هذه اللائحة والأحكام التي لم تطبق وأسباب ذلك”.
وقد أوضحت لائحة الحوكمة في مملكة البحرين أسباب أخذها بمبدأ “الالتزام أو التفسير” فقالت أن “هذا النهج قد تم اعتماده في العديد من البلاد الأخرى، ورحب به المستثمرون ومجالس الإدارة لما يوفره من مرونة، وما يتجنبه من فرض قواعد صارمة قد لا تأخذ في الاعتبار حجم الشركة وطبيعة أعمالها، وهيكل مساهميها، وأنشطتها، وهيكلها الإداري..، خاصة وأن التفاوت الكبير بين الشركات يجعل من الحكمة عدم إخضاع جميع الشركات لذات القواعد”.
ولعل ما ورد بمقدمة دليل قواعد ومعايير حوكمة الشركات المصري ما يلخص بكثير من الاحتراف والدقة المفهوم الصحيح لحوكمة الشركات، والفلسفة التي تقوم عليها قاعدة “الالتزام أو التفسير” حيث جاء فيه :
“ إن قواعد حوكمة الشركات الواردة بهذا الدليل لا تمثل نصوصاً قانونية آمرة ولا يوجد إلزام قانوني بها، وإنما هي تنظيم وبيان للسلوك الجيد في إدارة الشركات وفقاً لأفضل الممارسات العالمية بما يحقق توازناً بين مصالح الأطراف المختلفة، لذلك فإن هذه القواعد قد تم صياغتها بما يؤكد طبيعتها الاسترشادية، وبما يؤدي إلى شرح أحكامها شرحاً وافياً دون التقيد بأسلوب الصياغة التشريعية الذي ينهض على الاختصار وتناول الأحكام العامة والمجردة.
من جهة أخرى، فإن المأمول أن تسعى الشركات المصرية، مساهمون وإدارة، إلى العمل على تطبيق هذه القواعد والالتزام بها لما تحققه من مصالح عديدة ليس للشركات التي تطبقها فقط وإنما لمناخ الاستثمار بشكل عام، وذلك لاهتمامها بحماية حقوق المساهمين وتأكيدها على ضرورة الإفصاح عما يجري بها من أحداث، الأمر الذي يزيد معه اطمئنان المستثمر على أمواله. كذلك فإن دوراً رئيسياً يقع على مراقبي حسابات الشركات ومستشاريها القانونيين لحث الشركات على الالتزام بهذه القواعد ورصد مدى تحقق ذلك، وكذلك على البنوك ومؤسسات التمويل الأخرى ومؤسسات التصنيف الائتماني أن تأخذ في اعتبارها، عند التعامل مع الشركات أو تقييمها، مدى التزامها بنصوص وروح هذه القواعد.
والأمل معقود على كافة القائمين على إدارة الشركات والمؤسسات المالية والجمعيات المهنية وتجمعات المساهمين ومجالس الإدارة لوضع هذه القواعد موضع التطبيق والترويج لها واعتبار تطبيق الشركة لها أحد علامات نجاحها وتميزها.»
ثالثاً – هل اتجهت الهيئة إلى منهج الالتزام أو التفسير ثم تخلت عنه ؟
في قواعد الحوكمة الصادرة عن هيئة اسواق المال، ثمة مؤشرات عديدة - تقرأ بوضوح أحياناً، وتبقى بين السطور أحياناً أخرى - توحي وكأن الهيئة كانت تتجه ، حتى مرحلة متقدمة من إعداد القواعد ، إلى الأخذ بمنهج الالتزام أو التفسير ، ثم تخلت عن هذا المنهج وتبنت الاتجاه المعاكس تماماً ، والقائم على الالزام الكامل والفوري ، ومن المؤشرات اللافتة الموحية بذلك ما يلي :
1 - في الغالب الأعم من الحالات يترافق التوسع في التفاصيل والمتطلبات والشروط، بالمرونة في الزامية التطبيق. وقواعد الحوكمة التي أقرتها الهيئة جمعت بين الإمعان في التفاصيل والتشدد في الالزام، مما لم يدع مجالاً يذكر للمرونة، ولم يسمح بأخذ التفاوت الكبير في طبيعة الشركات وحجمها وإمكانياتها بعين الاعتبار.
2 - جاءت صياغة قواعد حوكمة الشركات بما يتفق مع الطبيعة الاستشارية، فهي تشرح احكامها شرحاً وافياً ومفصلاً، ولا تأخذ بأسلوب الصياغة التشريعية الذي ينهض على الاختصار والتحديد والتجريد.
3 - جاء في نهاية «التمهيد» الذي تصدر صفحات قواعد الحوكمة ما يلي: «إن هيئة أسواق المال تأمل بأن تسعى إدارات الشركات والمساهمون بها إلى العمل على التقيّد بتطبيق حوكمة الشركات والالتزام بها، وذلك لما تحققه من مصالح عديدة ليس للشركات التي تطبقها فقط وإنما للمناخ الاستثماري بشكل عام» وكلمة «تأمل» هنا، لا تتفق إطلاقاً مع الالزام والتأديب اللذين انتهت إليهما الصفحة الأخيره من قرار قواعد الحوكمة.
4 - رأينا أن العديد من قواعد الحوكمة، وكذلك العديد من ترتيبات تداول أعضاء مجلس الإدارة لأسهم الشركة لا تتمتع بالانضباط التشريعي اللازم، ومن بين تفسيرات هذه الظاهرة ( إن صح التعبير) أن عدم الانضباط هذا ليس خطأ مقصوداً أو غير مقصود، بل هو منبثق من اعتبار أن قواعد الحوكمة ستبقى غير الزامية وبالتالي، لن تترتب على مخالفتها أية عقوبة.
5 - جاء في الصفحة 22 من قواعد الحوكمة ( المبدأ 1/2 بند 8 ) أن من مهام ومسؤوليات مجلس إدارة الشركة “ وضع نظام حوكمة خاص بالشركة – بما لا يتعارض مع أحكام هذه القواعد – والإشراف العام عليه ومراقبة مدى فاعليته، وتعديله عند الحاجة ”.
فلو كانت النية هي اعتبار قواعد الحوكمة الصادرة عن الهيئة إلزامية بكاملها، لماذا يفرض على كل شركة وضع نظام حوكمة خاص بها ؟ ولماذا لم يقصر دور مجلس الإدارة هنا على الإشراف العام على تطبيق القواعد الصادرة عن الهيئة ؟
6 - رأينا أن قانون الشركات قد ألزم الجهات الرقابية المعنية بإصدار قواعد الحوكمة للشركات الخاضعة لرقابتها، ولكن ليس في قانون الشركات ولا في غيره ما يشير إلى أن هذه القواعد يجب أن تكون إلزامية التطبيق، فالإلزام - إذن - هو في إصدار القواعد من قبل الجهات الرقابية المختصة وليس في قيام الشركات بتطبيق كل هذه القواعد بلا استثناء وفوراً دون تدرج .
III - من حيث مواءمة البيئة الاجتماعية والمرحلة التنموية
جاء في مقدمة لائحة قواعد الحوكمة في المملكة المتحدة، أن هذه القواعد يجب أن تبقى كدليل ذي خطوط عريضة ومبادئ عامه، فهي مهما ذهبت في التفاصيل لا تستطيع أن تضمن أن تمارس مجالس الإدارة سلوكاً فاعلاً وحكيماً، ذلك أن المجالات التي يجب أن تطبق عليها هذه القواعد أكثر اتساعاً وتنوعاً من أن يحاط بها جميعاً. وبالتالي، يجب أن تبقى لمجلس الإدارة مساحة كافية من المرونة ليقرر بنفسه كيف يتصرف ضمن إطار هذه القواعد العريضة.
وجاء في مقدمة اللائحة ذاتها أيضاً، أن مراجعتها عام 2011 أكدت نتيجتين رئيسيتين سبق تأكيدهما في نسخة اللائحة للعام 2010؛ أولاهما؛ أنه بجانب الاهتمام بنصوص قواعد الحوكمة، لا بد من توجيه اهتمام أكثر إلى روح هذه القواعد. والنتيجة الثانية؛ أن بناء علاقة متبادلة أفضل بين مجلس الإدارة والمساهمين يمكن أن يعزز دور هؤلاء في توجيه اللائحة وتطبيقاتها.
وإذا كان من الواجب أن تنسجم «نصوص قواعد الحوكمة مع المنطلقات العالمية المتفق عليها، وأن تتطابق مع النصوص التشريعية الأعلى درجة، فإن انتشار أو إذكاء «روح الحوكمة» إنما يرتبط إلى حدٍ بعيد بمراعاتها للبيئة الاجتماعية التي ستطبق فيها، وتفهمها لاحتياجات المرحلة التنموية التي تصدر خلالها. وفي اعتقادنا أن قواعد الحوكمة التي أصدرتها هيئة أسواق المال قد انحازت بشدة إلى «النص» وفنيته وتفاصيله وتشدده، على حساب «الروح» ومراعاة البيئة الاجتماعية والمرحلة التنموية، بما فيها قدرة الهيئة نفسها على ممارسة حقها في مراقبة تنفيذ قواعد الحوكمة بعدالة وسرعة وكفاءة. ولعل في الملاحظات التالية ما يقدم إيضاحاً وبرهاناً لما نزعم.
أولاً- العضو المستقل:
بموجب القاعدة الأولى المتعلقة «ببناء هيكل متوازن لمجلس الإدارة»، يجب أن يتضمن المجلس أعضاء مستقلين لا يزيد عددهم على نصف أعضاء المجلس، ولا يشترط في العضو المستقل أن يكون مساهماً في الشركة. ولتعريف العضو المستقل اعتمدت اللائحة الأسلوب السلبي فعددت «ما يتنافى مع استقلاليته»؛ فهو يجب ألا يملك خمسة بالمئة أو أكثر من أسهم الشركة أو في أي شركة تابعة. وهو يجب ألا يكون عضو مجلس إدارة أو من التنفيذيين العاملين في الشركة أو مجموعتها. وهو يجب ألا يكون على صلة قرابة من الدرجة الأولى أو الثانية مع أي من أعضاء مجلس الإدارة أو كبار التنفيذيين فيها أو في أي شركة من مجموعتها. وهو يجب ألا يكون موظفاً خلال العامين السابقين لدى أي من الأطراف ذات العلاقة بالشركة أو بأي شركة من مجموعتها، كمراقبي الحسابات وكبار الموردين... وهذا كله «على سبيل المثال لا الحصر» كما تؤكد اللائحة.
وبتعبير مختصر، إن العضو المستقل – في بلد لا يتجاوز حجم سكانه 1.3 مليون نسمة، منهم أقل من 700 ألف مواطن فوق سن العشرين – يجب أن يكون إما شاباً حديث التخرج لم يكتسب بعد أي خبره، أو متقاعداً منذ فترة تزيد عن سنتين وقليل الأهل والأقارب.
وبعد هذه الشروط كلها، تعطي اللائحة للعضو المستقل موقعاً في مجلس الإدارة لا يعتبر متميزاً فقط، بل يكاد يشكل بحد ذاته طعناً مباشراً في كفاءة وخبرة وحيادية بل وأمانة غيره من أعضاء المجلس «غير المستقلين». فالأعضاء المستقلون (بحسب قواعد الحوكمة) «لهم القدرة على التقييم الموضوعي لأداء الشركة بحيادية واستقلالية عن الإدارة التنفيذية والمساهمين...». والأعضاء المستقلون يستطيعون اتخاذ القرارات «دون التعرض لضغوط أو معوقات»، و «تناط بهم مهام استشارية خاصة بأنشطة الشركة المختلفة». ومجلس إدارة الشركة يجب ألا ينعقد إلا بحضور أحد الأعضاء المستقلين». وإذا أبدى العضو المستقل رأياً مغايراً لما انتهى إليه مجلس الإدارة يتعين إثبات ذلك تفصيلاً في محضر اجتماع مجلس الإدارة. «والعضو المستقل يجب أن يحضر مالا يقل عن 75 % من اجتماعات المجلس. كما يجب عليه حضور كافة الاجتماعات التي سيتم فيها اتخاذ قرارات هامة وجوهرية قد تؤثر على الشركة» أما عضو مجلس الإدارة غير المستقل فيمكنه أن يكتفي بحضور أربعة اجتماعات في السنة (حتى لو عقد المجلس عشرين اجتماعاً مثلاً)، كما يمكنه أن يغيب عن الاجتماعات التي سيتم فيها اتخاذ قرارات هامة وجوهرية. ولا نعرف لماذا لم تذكر لائحة الحوكمة أن غياب الأعضاء غير المستقلين أمر غير إلزامي ولكنه مستحب طالما أنه يحكم سيطرة غير المالكين ويضعف دور المالكين.
بقي أن نذكر في هذا الصدد، أن قواعد الحوكمة تشترط وجود عضو مستقل في كافة اللجان الخمس التي يجب أن يشكلها مجلس الإدارة. فإذا ضم مجلس الإدارة عضواً مستقلاً واحداً، فإن قواعد الحوكمة توجب أن يكون هذا العضو مشاركاً في عضوية اللجان الخمس.
إن هذا التمييز الغريب بين الأعضاء المستقلين وزملائهم في مجلس الإدارة يتنافى كلياً مع قواعد الحوكمة ومبادئها. وإن هذه الريبة العميقة والواضحة في تأثير صلة القرابة على مواقف وقرارات أعضاء مجلس الإدارة تعبر عن انفصال ضار بين اللائحة وطبيعة المجتمع الكويتي الذي تسوده صلات أخرى عديدة غير صلات القرابة وربما أقوى منها في بعض الحالات. ولو تعاملت اللائحة مع هذه الصلات تعاملها مع صلة القربى لما بقي مواطن كويتي مؤهل لشغل منصب عضو مجلس إدارة مستقل. ولا بد أن نذكر – بعد كل هذا – أن عضو مجلس الإدارة المستقل يجب أن ينتخب من قبل الجمعية العمومية للشركة، أي يجب أن ينتخب من قبل مجموعة المالكين وبأصواتهم. وهذه الحقيقة وحدها تفرغ كل شروط الاستقلالية من مضامينها، وتؤكد أن «استقلالية القرار والفكر» قضية أخلاقية وقيمية بالدرجة الأولى ، فالتحرر من الضغوط إرادة شجاعة واحترام للنفس، والخضوع لضغوط القربى أو السياسة أو القبيلة أو الطائفة هو موقف يعكس ضعفاً أو طمعاً.
ثانياً- التدرج في التطبيق:
نعتقد أن إغفال قواعد الحوكمة لمبدأ التدرج في التطبيق يعكس بوضوح غياب اعتبارات بيئة الأعمال المحلية والمرحلة التنموية عن هذه القواعد. فالتدرج في فرض مثل هذه المتطلبات الكثيرة والمتوسعة والمتشددة هو من أول شروط النجاح في التطبيق. ولنا في بازل 1 وبازل 2 وبازل 3 أصدق مثال على ذلك. والتدرج هنا يمكن أن يكون من خلال المراحل الزمنية، أو تبعاً لحجم الشركات المعنية أو قطاعاتها، أو من خلال العودة إلى منهج «الالتزام أو التفسير».
والسؤال الأهم الذي يفرض نفسه بإلحاح هنا، يتعلق مباشرة بمدى قدره هيئة أسواق المال حديثة الإنشاء على ممارسة حقها في متابعة كل الشركات التي أخضعتها لقرار قواعد الحوكمة، وبمستوى الكفاءة والسرعة والعدل الذي تفرضه الحوكمة نفسها!!!
ثالثاً- مراجعة جودة التدقيق:
بموجب المبدأ الثالث من القاعدة الخامسة من قواعد الحوكمة، على الشركة الخاضعة تكليف مكتب تدقيق مستقل للقيام بتقييم ومراجعة الضوابط الداخلية وإعداد تقرير حولها. وهذا التكليف يعني تكلفة مالية عالية قد لا يمكن للعديد من الشركات الخاضعة (وخاصة تلك المرخص لها) أن تتحملها دون تأثير كبير على جدواها المالية. (عمليات تدقيق إضافية، تقارير رقابة داخلية، أنظمة تقارير متكاملة....). علماً أن استكمال متطلبات التدقيق المستقل – وبصرف النظر عن التكلفة المالية – يتطلب وقتاً غير قصير. ومن المفيد، في هذا الصدد، دراسة تجربة الأسواق المالية المتقدمة، التي يتم فيها تعيين مدققي حسابات مستقلين من قبل الهيئات الرقابية نفسها للإشراف على عملية التدقيق هذه (مجلس التقارير المالية FRC في المملكة المتحدة على سبيل المثال).
رابعاً- التبليغ عن الشكوك:
ضمن منهجية تطبيق القاعدة السادسة الخاصة “بتعزيز السلوك المهني والقيم الأخلاقية”، جاء ما يلي “وضع آلية تتيح للعاملين بالشركة أن يبلغوا عن شكوكهم حول أي ممارسات غير سليمة أو أمور تثير الريبة في التقارير المالية أو أنظمة الرقابة الداخلية أو أي أمور أخرى، فضلاً عن وضع الترتيبات المناسبة التي تسمح بإجراء تحقيق مستقل وعادل لهذه المسائل، مع ضمان منح المبلِّغ حَسنِ النية السريّة التي تكفل حمايته من أي رد فعل سلبي أو ضرر قد يلحقه نتيجة إبلاغه عن تلك الممارسات.
وهذا النص يثير تساؤلات عديدة منها: لمن يتم الإبلاغ؟ وما هي الممارسات غير السليمة والأمور الأخرى؟ وما معيار “حسن النية”؟... والأهم من هذا كله، لماذا تعلم “قواعد الحوكمة” العاملين في الشركة أن يحاذر بعضهم بعضاً!!! وتدع مجالاً لأن تضيع الشركة الجهد والمال للتحقيق في مجرد شكوك. إن أنظمة العمل- وفي طليعتها “قواعد الحوكمة” - هي التي يجب أن تحول دون الممارسات غير السليمة، فإذا أخفقت كلها في ذلك، على من لديه الدليل أن يتجه إلى النيابة العامة. إن ما تقضي به القاعدة السادسة هنا، يفتح – في اعتقادنا – مجالاً واسعاً لممارسات لا تتفق مع ما يجب أن يسود الشركات من تعاون، وما يجنيها من متاعب.
خامساً- الدور الحقيقي لمجلس الإدارة:
يبدو من “قواعد الحوكمة” أن الهيئة تنظر إلى مجلس الإدارة كجهاز فني «تتنوع فيه الخبرة العملية والمهنية والمهارات المتخصصة»، «ويكون أعضاؤه على معرفة بالقوانين والأنظمة ذات العلاقة وبحقوق وواجبات مجلس الإدارة، فضلاً عن توافر الفهم والدراية بأنشطة الشركة، وكافة المخاطر التي يتعرض لها مركزها المالي». ويزداد شعورنا بهذا الفهم لدور مجلس الإدارة عندما نقرأ أن المبدأ الثاني من القاعدة العاشرة المتعلقة «بتعزيز وتحسين الأداء»، قد الزم الشركات بتطوير نظم وآليات لتقييم أداء مجلس الإدارة ككل وأداء كل عضو في المجلس، مثلهم في ذلك مثل المدراء التنفيذيين. كما ألزم الشركات بتطوير أداء مجلس الإدارة والمدراء التنفيذيين.
إننا هنا لا ننكر أبداً أهمية “الجانب الفني” في مهام مجلس الإدارة. ولكننا نعتقد أن هذا الجانب يأتي بالدرجة الثانية ويمكن دعمه بالجهاز التنفيذي والمستشارين المختصين. أما الدور الحقيقي والأهم لمجلس الإدارة – في رأينا – فهو إعطاء الشركة قوة اقتصادية، ومصداقية مجتمعية بحكم ملاءة أعضائه وموقعهم وسمعتهم، وبحكم مناقبهم الشخصية وأخلاقياتهم العامة والخاصة، فضلاً عن انفتاحهم الفكري وحماسهم لتحمل المسؤولية. وإغفال هذه الناحية بالغة الأهمية، والتي لا يمكن اكتسابها بالدورات التدريبية، سيعطينا مجالس إدارة ذات اختصاص فني على الأغلب، وذات شخصية غير إدارية على الأغلب أيضاً.
سادساً- مراعاة الاختلافات بين الشركات:
في معرض تبيان نطاق تطبيق قواعد الحوكمة، ذكر دليل قواعد ومعايير حوكمة الشركات في جمهورية مصر العربية الصادر في فبراير 2011 ما يلي؛ «... إن هذه القواعد، بعد أن تناولت تفاصيل قواعد الحوكمة بالنسبة للشركات المقيدة في البورصة أو المؤسسات المالية التي تتخذ شكل الشركات المساهمة، قد تناولت بشكل أكثر إيجازاً بيان ما يمكن أن ينطبق منها على شركات المساهمة المقفلة، الشركات ذات المسؤولية المحدودة، وشركات الأشخاص. ولعل هذا الأسلوب في التناول، وإن كان يخرج عن نطاق قواعد الحوكمة في بلدان أخرى، إلا أن هذا الخروج له ما يبرره في الحالة المصرية...».
إن هذا النص يدلنا على أمرين اثنين: أولهما؛ أن هناك تبايناً كبيراً بين الشركات في الحجم وطبيعة العمل، والأهمية، والخصوصية.. وبالتالي، فإن قواعد الحوكمة السليمة لا يمكن أن تكون واحدة لكل هذه الشركات على تباينها. والأمر الثاني، أن قواعد الحوكمة يجب أن تراعي مصالح وظروف وبيئة الدولة التي تصدر فيها، ولو أدى هذا إلى خروج مقبول عن قواعد الحوكمة في بلاد أخرى. ويؤسفنا القول أن هذين الأمرين – على أهميتهما – قد غابا عن قواعد الحوكمة الصادرة في الكويت، والتي تناولت كل الشركات الخاضعة بصيغة واحدة من جهة، ولم تأخذ - من جهة ثانية – البنية الاجتماعية، حجم السوق، مرحلة النمو، ودرجة الخبرة والتجربة في عين الاعتبار.
سابعاً- التكلفة المالية والمعنوية:
لا ندعي أننا نملك تقديراً دقيقاً بدرجة مقبولة للتكاليف المترتبة على الشركات الخاضعة مقابل امتثالها لكامل قواعد الحوكمة وخلال فترة لا تتعدى 31 ديسمبر 2014. ولكننا نرجح أن هذه التكاليف ستكون مرتفعة بكل المقاييس، ليس فقط لوضع الأنظمة وتعيين الموظفين والاستعانة بالخبرات اللازمة لتأسيس نظام فعال لتنفيذ قواعد الحوكمة، بل وللاستمرار في إدارة نظام الحوكمة وتكاليفه الجارية بعد ذلك.
بل إننا لا نخفي قلقنا من أن يؤدي تشدد واتساع المتطلبات، وعدم تدرج التطبيق إلى تشجيع الشركات التي ليس هناك ما يلزمها بالإدراج إلى طلب الانسحاب من سوق الكويت للأوراق المالية، وإلى أن يثني الشركات الجديدة عن طلب الإدراج. كما أن هذا التشدد والتوسع قد يبعدا أصحاب الخبرة والكفاءة والشخصية ذات المصداقية المجتمعية عن الترشيح لمجالس الإدارة.
وختاماً ؛
نحن هنا لن نحاول أن نضع توصيات أو نطرح حلولاً، لأننا نقدم المذكرة إلى جهة ذات كفاءة واختصاص واستقلالية. جهة تعرف تماماً كيف تعالج مواقع التعارض والتشدد والتوسع إذا ما اقتنعت بصحتها، كما تعرف تماماً أننا نرحب بفرصة تدارس هذه المذكرة معها، بصورة موضوعية وفي إطار صيغة تقوي علاقتها بالشركات المعنية دون أن تؤثر على استقلاليتها في اتخاذ القرار. ولكننا في الوقت ذاته نشعر بحاجة حقيقية إلى أن نتدارس بعمق وبالتفصيل إمكانية العودة إلى منهج «الالتزام أو التفسير» الذي تعتمده أعرق الدول المتقدمة في قواعد الحوكمة، كما تعتمده الهيئات الرقابية المختصة في معظم دول المنطقة. ذلك أن خطوة بهذه الجرأة وبهذا الانسجام مع السمات الرئيسية لقواعد الحوكمة الصادرة عن الهيئة، يمكنها – في رأينا – أن تعيد لهذه القواعد اعتدالها، وتعيد الحوكمة إلى فلسفتها الأصلية باعتبارها نظاماً تفرضه مزاياه وفوائده، ويسانده تعاون متبادل بين كافة أصحاب المصلحة لكي تحقق الشركة أهدافها.
إن حوكمة الشركات على نحو سليم لا تعني مجرد تنفيذ مجموعة من القواعد بصيغتها الحرفية الضيقة، وإنما هي ثقافة وأسلوب في تنظيم العلاقة بين إدارة الشركة ومالكيها والمتعاملين معها. وبالتالي، يجب أن ننظر إلى الحوكمة باعتبارها نظاماً لضمان الكفاءة والشفافية وتوازن المصالح، وليست أداة لفرض رقابة صارمة.

دستور دولة الكويت الصادر في 11 / 11 /1962
قانون رقم 7 لسنة 2010 بشأن إنشاء هيئة أسواق المال وتنظيم نشاط الأوراق المالية
قانون رقم 97 لسنة 2013 بتعديل بعض مواد المرسوم بقانون رقم (25) لسنة 2012 بإصدار قانون الشركات
المرسوم بالقانون وفقاً لآخر تعديل - مرسوم بالقانون رقم (68) لسنة 1980بإصدار قانون التجارة
المرسوم بقانون وفقاً لآخر تعديل- مرسوم بقانون رقم 25 لسنة 2012 بإصدار قانون الشركات
المرسوم وفقاً لآخر تعديل - مرسوم رقم 338 لسنة 2010 بتشكيل مجلس مفوضي هيئة أسواق المال
مرسوم رقم 167 لسنة 2013 بتعيين مدير عام هيئة تشجيع الاستثمار المباشر
تعليمات جمركية رقم (93) لسنة 2012م بشأن النموذج الجديد لشهادات المنشأ التي تصدرها غرفة التجارة والصناعة بالإمارات العربية المتحدة
القرار وفقاً لآخر تعديل - قرار مجلس مفوضي هيئة أسواق المال رقم 2- 4 لسنة 2011 بشأن إصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم 7 لسنة 2010 بشأن إنشاء هيئة أسواق المال وتنظيم نشاط الأوراق المالية



 

الصفحة (1) من اجمالى(1)

تسجيل الدخول


صيغة الجوال غير صحيحة

أو يمكنك تسجيل الدخول باسم المستخدم و كلمة المرور