الملف الصحفي


عفوًا هذه الوثيقة غير متاحة

جريدة الوطن - السبت 14 ابريل 2007

تحليل النصوص الدستورية يكشف بوضوح الحاجة لإعادة دراسة عدد منها على ضوء التطبيق العملي

دراسة قانونية بقلم: أ. د. عادل الطبطبائي
لا يكاد يمر فصل تشريعي على الكويت الا وتشهد نقاشا دستوريا حول مادة أو أكثر من مواد الدستور، مما يكشف عن الحياة السياسية والدستورية النشطة في الدولة. واذا كانت المناقشات الدستورية التي تثور بين وقت وآخر تفتح الباب أمام تساؤلات عدة حول نصوص الدستور، ومدى ملاءمتها للتطبيق، الا ان بعض هذه المناقشات تستحق الوقوف عندها وتحليل مراميها، لأنها تشكك بوجود نصوص صريحة وواضحة، ولا غموض فيها.
واليوم يثور في الساحة الدستورية نقاش حول مدى وجوب حضور الحكومة لجلسات مجلس الأمة ومدى دستورية انعقاد جلسة المجلس في حالة عدم حضورها أو انسحابها من الجلسة.
ونعتقد ان هذا الموضوع يجب ان يناقش في فرعين مستقلين، الأول نخصصه لبيان مدى وجوب حضور الحكومة لجلسات المجلس وعدم الدعوة لاجراء الانتخابات البرلمانية خلال مدة الشهرين المنصوص عليها في الدستور.
الفرع الأول
مدى وجوب حضور الحكومة لجلسات المجلس في الظروف العادية
تنص المادة (97) من الدستور على ان (يشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه، وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين وذلك في غير الحالات التي تشترط فيها أغلبية خاصة.
وعند تساوي الأصوات يعتبر الأمر الذي جرت المداولة بشأنه مرفوضا) وتنص المادة (116) من الدستور على ان (يسمع رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مجلس الأمة كلما طلبوا الكلام، ولهم ان يستعينوا بمن يريدون من كبار الموظفين أو من ينوب عنهم، وللمجلس ان يطلب حضور الوزير المختص عند مناقشة أمر يتعلق بوزارته. ويجب ان تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئسيها أو ببعض أعضائها).
ـ1 يتضح من النص الدستوري الأخير الواضح والصريح والذي لا غموض فيه أو ابهام وجوب ان تمثل الحكومة في جلسات المجلس بأحد وزرائها وأن وجوده في الجلسة هو شرط لصحة انعقادها، وحيث أنه لا اجتهاد في موضع النص فإنه يصبح من غير المقبول التشكيك بوجود هذا النص الدستوري بالقول بامكانه انعقاد جلسة مجلس الأمة دون تمثيل الحكومة بها.
ـ2 وإذا كنا نعتقد ابتداء أن الفقرة الأخيرة من المادة «116» من الدستور موضعها الطبيعي هو المادة «97» من الدستور لأن حكمها مكمل لحكم هذه المادة، إلا أن وجودها ضمن المادة «116» حاليا لا يغير من الحكم الدستوري بشيء، ذلك لأن نصوص الدستور ليست منعزلة عن بعضها البعض، وانما هي مترابطة ارتباطاً وثيقا، فالوثيقة الدستورية ليست عبارة عن نصوص متفرقة لا رابط بينها، أو قاعدة تحكمها، وإنما يجب أن ينظر إلى نصوص هذه الوثيقة كمجموعة واحدة متكاملة، وبذلك يتحدد معنى كل منها في ضوء تلك المجموعة المتماسكة، ويتحدد مدى كل نص بمقارنته بغيره من النصوص فيكون اما متفرعا عنها او تطبيقها لها أو استثناء منها فهناك من النصوص قد تبدو واسعة في ذاتها ولكنها تصبح عند ربطها بغيرها اضيق أو أوسع مما كانت عليه.
وعلى ضوء القواعد السابقة فإن الفقرة الأخيرة من المادة «116» من الدستور واضحة كل الوضوح في وجوب تمثيل الحكومة عند انعقاد جلسات المجلس، إذ يجب أن تمثل في رئيسها أو أحد وزرائها وبذلك يعتبر حضور الحكومة، أو أحد أعضائها لجلسة المجلس شرطاً لصحة انعقادها أولا كما أنه شرط لصحة استمرارها ثانيا، إذ لا يكفي أن حضور أحد الوزراء عند بداية الجلسة، وإنما يجب استمرار هذا الحضور طوال الجلسة، إذ تعتبر الجلسة باطلة في حالة تبين عدم وجود وزير خلالها.
وقد أكدت الممارسة البرلمانية هذه القاعدة الدستورية طوال السنوات السابقة بشقيها، الأول: بوجوب حضور الحكومة عند انعقاد الجلسة ولم يشكك أحد في ذلك منذ بداية العهد الدستوري عام 1963، مما يؤكد ان الممارسة البرلمانية تسير وفقا لهدي النص الدستوري، الثاني أنه في بعض الحالات اضطر رئيس المجلس لرفع الجلسة عندما تبين عدم وجود أحد الوزراء داخل قاعة المجلس، ايا كان سبب عدم وجوده مما يؤكد أن وجود أحد الوزراء اثناء انعقاد جلسة المجلس هو شرط لصحة انعقادها واستمرارها كذلك.
واذا كان هناك من يرى أن المادة «97» من الدستور لم تشترط حضور الوزراء كشرط لصحة انعقاد الجلسة وهي المادة الدستورية الخاصة بصحة انعقاد المجلس، وتحديد الأغلبية اللازمة لاتخاذ القرارات، إلا ان هذا الرأي لا يمكن التسليم به لأن المادة «97» من الدستور تتكلم عن انه (لا يشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور اكثر من نصف اعضائه) ولما كانت نصوص الدستور تكمل بعضها بعضا، فإن مفهوم اعضاء المجلس يتحدد بموجب المادة (80) من الدستور والتي تقرر ان مجلس الامة (يتألف من خمسين عضوا ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر وفقا للاحكام التي يبينها قانون الانتخاب ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الامة اعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم)، وهذا يعني ان هناك نوعين اثنين من الاعضاء، اعضاء منتخبون، واعضاء معينون (الوزراء) الامر الذي يتطلب تمثيل كل من هاتين الفئتين في اجتماعات المجلس، ولذلك نصت المادة (116) من الدستور بفقرتها الاخيرة على وجوب تمثيل الحكومة في جلسات المجلس برئيسها او بأحد وزرائها.
ـ3 وقد سبق وان اوضحنا ان نصوص الدستور تكمل بعضها بعضا ، بوصفها منظومة متراصة متكاملة، وما يحدونا الى هذا القول هو وجود نصوص اخرى في الدستور، لا تقل اهمية عن الفقرة الاخيرة من المادة (116) من الدستور يقتضي اعمال حكمها تمثيل الحكومة في جلسة مجلس الأمة، ونشير، في هذا الصدد، على سبيل المثال، لا الحصر، الى المواد التالية:
ـأ تنص الفقرة الاخيرة من المادة (88) من الدستور على انه (ولا يجوز في دور الانعقاد غير العادي ان ينظر المجلس في غير الامور التي دعي من اجلها الا بموافقة الوزارة وموافقة الحكومة على نظر مجلس الامة لموضوعات غير واردة في مرسوم دعوة المجلس لانعقاد غير عادي يقتضي وجودها في الجلسة لتعطي موافقتها، وهذا يعني وجوب تمثيلها في الجلسة.
ـب المادة (94) من الدستور تنص على (جلسات مجلس الامة علنية ويجوز عقدها سرية بناء على طلب الحكومة او رئيس المجلس او عشرة اعضاء وتكون مناقشة الطلب في جلسة سرية) وطلب الحكومة عقد الجلسة السرية يستلزم بالضرورة وجودها في الجلسة وتمثيلها فيها.
ـج المادة (98) من الدستور تنص على ان (تتقدم الحكومة فور تشكيلها ببرنامجها الى مجلس الامة، وللمجلس ان يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج واستماع الحكومة لملاحظات النواب وارائهم على برنامج الحكومة، يقضي تمثيلها في جلساته.
ـد الفقرة الاخيرة من المادة (101) من الدستور تنص على ان (ويكون سحب الثقة من الوزير باغلبية الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس عدا الوزراء، ولا يشترك الوزراء في التصويت على الثقة) وعدم اشتراك الوزراء في التصويت على الثقة باحد زملائهم يستلزم بالضرورة حضورهم الجلسة، ولكن دون الاشتراك في التصويت.
تنص الفترة الاخيرة من المادة (104) من الدستور على انه (للامير ان ينيب عنه في الافتتاح او في القاء الخطاب الاميري رئيس مجلس الوزراء) وهذا ما يقتضي وجود الاخير وبالتالي تمثيله للحكومة في الجلسة، فاذا ما اخذنا بنظر الاعتبار العرف الدستوري القاضي بوجوب حضور الوزراء لاي مناسبة يتواجد فيها سمو رئيس مجلس الوزراء، لادركنا على الفور، وجوب حضور الوزراء جلسة مجلس الامة التي يحضرها سمو الرئيس.
هذه بعض النصوص الدستورية التي يقتضي اعمال حكمها وجوب تمثيل الحكومة في جلسات مجلس الامة، مما يقطع اي شك بعدم صواب الرأي القائل بامكانية عقد جلساته دون تمثيل الحكومة فيها.
ـ4 ان الدستور الكويتي قد تبنى النظام البرلماني النيابي، وهو ما يقتضي وجود اعضاء الحكومة داخل المجلس بوصفهم اعضاء في المجلس، وهذا ما تنص عليه صراحة الفقرة الاخيرة من المادة (80) من الدستور بقولها (ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الامة اعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم) وهذا يعني صراحة وجوب وجود الوزراء داخل قاعة المجلس وحضورهم لجلساته.
ـ5 ان ممارسة اعضاء مجلس الامة لوسائلهم الرقابية من توجيه اسئلة، وعقد جلسات المناقشة العامة، واجراء التحقيقات، تتطلب حضور الوزراء لجسات المجلس، اذ كيف يمكن للوزراء الرد على اسئلة النواب، اذا لم يكن الوزير المختص موجودا في القاعة. اذ يكفي ان نشير إلى حالة تأجيل تعقيب النائب على جواب الوزير المختص لمجرد عدم وجوده في القاعة، فكيف يكون الامر، اذن، اذا كان حضورهم غير متطلب في جلسة المجلس وتمثيلهم بها.
الفرع الثاني
مدى وجوب حضور الحكومة لجلسة استرداد مجلس الامة لاختصاصاته الدستورية عند عدم اجراء الانتخابات العامة
ان مسألة وجوب تمثيل الحكومة في جلسات مجلس الامة، اذا كانت مسألة محسومة في نظرنا في الظروف العادية، بحكم الفقرة الاخيرة من المادة (16) من الدستور، حيث لا اجتهاد في موضع النص، الا ان الامر، يبدو لنا على خلاف ذلك عند تطبيق حكم المادة (107) من الدستور والتي تنص على ان «للأمير ان يحل مجلس الامة بمرسوم تبين فيه اسباب الحل، على انه لا يجوز حل المجلس لذات السبب مرة اخرى.
واذا حل المجلس وجب اجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل.
فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن، ويستمر في اعماله الى ان ينتخب المجلس الجديد).
والسؤال المطروح الآن للنقاش هو هل يشترط تمثيل الحكومة، ولو بأحد وزرائها في جلسة المجلس التي تلي مدة الشهرين المنصوص عليها في المادة (107) من الدستور، والخاصة باسترداد المجلس لاختصاصاته الدستورية.
وتنحصر المشكلة في انه اذا قلنا بوجوب تمثيل الحكومة في جلسة المجلس التي تلي مرور مدة الشهرين اسوة في جلسات المجلس العادية، فإنه من المستحيل عمليا وقانونيا انعقاد هذه الجلسة، ذلك لأن الحكومة التي اصدرت قرار الحل، والتي رفضت كذلك اجراء الانتخابات خلال المدة المحددة بالدستور لا يتصور انها ستحضر جلسة المجلس هذه وانما ستعمل حتما على ابطالها بعدم حضورها، وسوف تستمر، دون شك في اتخاذ هذا الموقف وبذلك تحول الحكومة دون انعقاد المجلس، وبالتالي استرداد سلطاته الدستورية. وبذلك تصبح المادة (107) من الدستور التي تمنح مجلس الامة الحق بالاجتماع واسترداد كامل سلطاته، واعتبار حق الحل كأن لم يكن، لا قيمة لها، بل ان وجود الفقرة الاخيرة منها عبث تشريعي لا طائل من ورائه.
لذلك نعتقد ان نطاق تطبيق الفقرة الاخيرة من المادة (116) من الدستور هو في ظل جلسات المجلس العادية، حيث يجب تمثيل الحكومة بأحد اعضائها على الاقل، والا اعتبرت الجلسة باطلة، فاذا ما انعقدت صحيحة على هذا النحو، وجب استمرار تمثيل الحكومة بها طوال الجلسة، فإذا ما غاب الوجود الحكومي عنها بطلت الجلسة.
فإذا ما حددنا نطاق تطبيق الفقرة الاخيرة من المادة (116) من الدستور في حالة اجتماعات المجلس العادية، فإنه يجب علينا اذن استبعاد تطبيقها في حالة الحل، أي عدم تطبيقها في حالة الجلسة الاولى التي تلي مدة الشهرين وبذلك يمكن تجنب عدم تطبيق حكم الفقرة الاخيرة من المادة (107) من الدستور.
على اننا نعقتد ان المشكلة لا تقف عند حد تمثيل الحكومة في الجلسة الاولى التي تلي مرور الشهرين المحددة في المادة (107) من الدستور، اذ لو افترضنا جدلا ان الحكومة قد حضرت الجلسة الاولى، واسترد المجلس سلطاته الدستورية، وفقا لحكم المادة (107) المشار اليها، الا انها تستطيع، مع ذلك تعطيل انعقاد المجلس في الفترة التالية بعدم حضورها جلساته.
والواضح ان تحليل النصوص الدستورية السابقة، يكشف لنا بكل وضوح الحاجة لاعادة دراستها، على ضوء التطبيق العلمي، والتحليل العلمي الذي يبين قصورها عن حكم الواقع الدستوري المعاش.

تسجيل الدخول


صيغة الجوال غير صحيحة

أو يمكنك تسجيل الدخول باسم المستخدم و كلمة المرور