الملف الصحفي


عفوًا هذه الوثيقة غير متاحة

جريدة القبس - الاحد, 20 يناير, 2008 - 11 محرم 1429- رقم العدد: 12441

إجراءات تشجيع الاستثمار لا تكتمل إلا بتسريع التقاضي وسرعة تنفيذ الأحكام

بقلم: المحامي عبدالرزاق عبدالله
هل اقتصاد الكويت حر؟ يتبادر للذهن للوهلة الأولى ان الإجابة بالإيجاب، إذ لا توجد هناك قيود على حركة رؤوس الأموال، إلا أن تقرير مؤسسة Heritage يقول ان الكويت تحتل المركز رقم 48 عالميًا والثالث عشر عربيًا بعد البحرين والإمارات العربية المتحدة من حيث الحريات الاقتصادية.
وقد جاء في التقرير أن الجهود المبذولة لتحويل الكويت من الاقتصاد الموجه إلى اقتـصاد السوق والتخفيف من اعتمادها على القطاع العام سارت بخطى بطيئة.
والمثير للدهشة أن التقرير أضاف أسبابا أخرى جديرة بالبحث أدت إلى عرقلة الاقتصاد الحر، فالتقرير يعيب على الحكومة إعفاء الشركات والأفراد الكويتيين من الضريبة، في حين تفرض ضرائب على الشركات الأجنبية، وحسب بيانات ايكونوميست انتيليجنس فإن 66.95% من إجمالي إيرادات الكويت خلال السنة المالية من ابريل 2001 حتى مارس 2002 جاءت من الشركات والعقارات والملكيات الأخرى المملوكة للدولة. وهذا يعني أن الحكومة تسيطر على جزء كبير من الملكيات.
والأمر الأكثر خطورة في التقرير ذلك الخاص بإجراءات التقاضي، إذ يقول التقرير أن الأطراف في المنازعات والخلافات التجارية محبطون من بطء نظام القضاء الكويتي، كما يعيب التقرير عـدم تطبيق الأحكام القضائية الأجنبية إلا في حال وجود اتفاقات متـبادلة، وبحسب وزارة الخارجية الاميركية فإن القضاة غير الكويتيين يعملون بعقود تتراوح بين سنة وثلاث سنوات وهو ما قد يؤثر على عدم استقرارهم.
كما أشار التقرير إلى تدخل الدولة في الاقتصاد والمنافسة مع القطاع الخاص وأن هناك خطوطا حمراء وإجراءات بيروقراطية يمكن أن تتسبب بتعطيل كبير.
علاوةً على عدم وجود تشريعات فعالة لمنع الاحتكار.
ويتعين ألا يمر علينا هذا التقرير مرور الكرام، خاصـة على السـادة أعضاء مجلس الأمة المعنيين بالدرجة الأولى بإصدار التشريعات اللازمة لتحرير الاقتصاد الكويتي من القيود المثقل بها ولخلق المناخ الأفضـل للاستثمار، بدلاً من تفرغ السادة أعضاء المجلس للتراشق مع الحكومة والخوض في صغائر الأمور.
ان الكويت بلد ديموقراطي حر يؤمن بفصل السلطات، وكان من المتوقع أن يوضع هذا البلد في مصاف الدول المتقدمة من حيث الحرية الاقتصادية، حيث ان السيادة للقانون وهناك تشريعات شاملة لجميع جوانب الحياة بما فيها الاقتصاد، وقد آن الأوان لإزالة التضارب بين هذه التشريعات، والعمل على إصدار تشريعات بديلة تساعد على التنمية وجلب الاستثمارات الأجنبية بما يتفق مع التوجه الحكومي نحو جعل الكويت مركزًا ماليًا عالميًا.
أما بشأن ما تناوله هذا التقرير وبالأخص مسألة بطء التقاضي، فإن من أهم ضمانات الاستثمار وزيادة النشاط التجاري استقرار النظام القضائي واحترام القانون ووجود تشريعات حديثة تواكب النهضة التي شملت الأنشطة الاستثمارية والتجارية والصناعية، لذلك فإن الدول تسن التشريعات والقوانين الخاصة بتشجيع الاستثمار بصفة عامة والأجنبي منها بصفة خاصة ما يتعلق بذلك من قوانين ضريبية وجـمركية. أما بشأن ما أثاره التقرير من بطء التقاضي فنرى أن ذلك لا يرجع إلى القضاة أنفسهم بقدر ما يرجع إلى إجراءات التقاضي ذاتها ابتداءً من قيد صحيفة الدعوى إلى تنفيذ الحكم، فهذه رحلة شاقة لا يعلم مداها إلا العاملون في هذا المجال.
ويمكن اختصار هذه الإجراءات وتبسيطها باستعمال وسائل الاتصال الحديثة والاعتراف بحجيتها في الإعلانات القضائية، أما أن يستغرق إعلان صحف الدعاوى لشخص مقيم في الكويت أو شركة معروفة العنوان أشهرا عدة، فإنه لا يتماشى مع التطور والتقنية الحديثة في وسائل الاتصال، ولا مع الطموح المنشود إلى الريادة في نمو الاقتصاد.
كما أن الرقابة والمتابعة لأعمال العاملين في الجهاز المعاون للقضاء وإدارات وزارة العدل، والعمل بمبدأ الثواب والعقاب. وعدم إتاحة الفرصة للإهمال وللمحسوبيات كلها عوامل تؤدي حتمًا إلى تطوير الجهاز القضائي.
رغم كل ذلك... فإنه يحسب للكويت أنها دولة دستورية ديموقراطية تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات، والسلطة القضائية مستقلة استقلالا تاما عن باقي السلطات، كما أن قضاتها مشهود لهم بالنزاهة والعدالة وفيها أحدث التشريعات المتعلقة بالتجارة والاستثمار.
لكن لا تكفي مجرد القوانين الحديثة والقضاء العادل لدفع حركة الاقتصاد والنشاط التجاري، بل يجب أن يوازي ذلك سرعة إنهاء النزاعات وخصوصًا التجارية منها وتنفيذ الأحكام الصادرة فيها، ذلك أن عنصر الوقت يعتبر ذا تأثير قوي على الحركة التجارية.
وقد أعطى المشرع اهتماماً خاصًا لهذا العنصر في القوانين المتعلقة بالتجارة ومثال ذلك أحقية الدائن في احتساب فوائد تأخيرية من مدينه كتعويض له عن التأخير. إلا أننا نركز هنا على التأخير في تنفيذ الأحكام الذي يأتي بسبب البيروقراطية والإهمال وغياب المتابعة والمحاسبة، إذ لا توجد فائدة من سرعة الفصل في النزاع، بينما يظل الحكم بلا تنفيذ لزمن طويل (أحيانًا لأكثر من عام)، ومن المعلوم أن أعمال التجارة والاستثمار تسير وفق حلقة مترابطة، فمثلاً إذا نتج تأخير عن تحصيل قيمة حكم في أي نزاع تجاري فإنه سيؤثر بالتبعية على بقية الأنشطة، وهذا يؤدي إلى بطء في حركة رأس المال وتتسع الدائرة فيؤدي إلى بطء النشاط التجاري ككل، مما يترتب عليه تردد المستثمر الأجنبي بالدخول في المشاريع التي تحرك الاقتصاد، ويعيق حركة المستثمر المحلي في عمله وتنخفض معه العمليات التجارية والاستثمارية.
لذا فإنه يجـب الانتباه والإسراع إلى إزالة الأسباب المؤدية إلى البطء في إجراءات التقاضي ليتواكب مع السرعة والتطور المطلوب في العمل التجاري.
ان الدول المتقدمة والراقية يحكمها القضاء من الناحية الفعلية حيث انه المناط به تقويم كل اعوجاج في المجتمع، وإن اللجوء إلى القضاء عند مخالفة الإدارات والموظفين العموميين للقانون هو تقويم في الحقيقة للإدارة، ولو مارس كل مواطن حقه في محاسبة المسؤولين المتجاوزين على القانون عن طريق اللجوء إلى القضاء لصلح المجتمع وتوانى ضعاف النفوس عن خرق القانون مادام هناك عقاب رادع سيلقونه، فإذا كان عقاب المسيء عن طريق رؤسائه ليس بأيدينا والواسطات والمحسوبيات تقف حجر عثرة أمام المسؤول عن عقاب الموظف، فإن باب القضاء مفتوح للنيل من كل جائر ومخالف للقانون.

تسجيل الدخول


صيغة الجوال غير صحيحة

أو يمكنك تسجيل الدخول باسم المستخدم و كلمة المرور