الملف الصحفي


عفوًا هذه الوثيقة غير متاحة

جريدة القبس - الثلاثاء 20 ديسمبر 2011 ,24 محرم 1433 , العدد 13849

دراسة لمدير العلاقات الدولية في العدل زكريا الأنصاري: الدستور لم يبح الإضراب أو ينظمه

اعد مدير ادارة العلاقات الدولية في وزارة العدل زكريا الانصاري دراسة حول الاضراب في ظل الدستور والتشريع والاتفاقيات الدولية المصادق عليها.
وجاء في الدراسة التي تلقت القبس نسخة منها امس: يتساءل الكثيرون الآن عن مدى شرعية الاضراب، وقانونية الاجراءات التي اتخذتها الجهات الحكومية تجاه من اضرب من الموظفين العموميين عن العمل، وما كفله القانون الدولي في هذا الصدد.
وللاجابة عن هذه التساؤلات، اوضح في البداية ان وزارة العدل شأنها في ذلك شأن الجهات الوطنية، التي يعنيها ويهمها التأكد والتيقن تماما من صحة ما تقوم به من اجراءات في ضوء احكام الدستور والقانون والاتفاقيات الدولية التي صادقت الكويت عليها.
شرعية الإضراب
واذا نظرنا لمسألة الاضراب من الناحية الدستورية والقانونية، فسنجد ان شرعية الاضراب تقتضي بطبيعة الحال وجود احكام دستورية تسمح بالاضراب، ونصوص تشريعية وطنية تنظمه وتحدد نطاقه وآلياته، وهو الامر الذي خلت احكام الدستور الكويتي والتشريع من اتاحته او تنظيمه.
اما على مستوى الالتزامات الدولية، وخاصة العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فان الكويت قد صادقت على هذا العهد مع تحفظها على حكم المادة الثامنة منه، في ما يتعلق بالتعهد بكفالة حق الاضراب، وبناء عليه ليس هناك ثمة التزام دولي على عاتق دولة الكويت بشأن اجازة الاضراب او تنظيمه.
وتجدر الاشارة الى ان الكويت قد صادقت الى الآن على مجموعة كبيرة من الاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية، والتي ليس من بينها ما يلزم الدولة باتاحة الاضراب او اجازته.
كما أنه من المستقر عليه في أحكام اتفاقيات منظمة العمل الدولية، أنها تنظم أطر وقواعد علاقات العمل في القطاع الأهلي من عمال، وأصحاب أعمال، وجهة الإدارة والمتمثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ومن ثم فإن الأصل العام في نطاق أحكام الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية، أنها تسري على قطاع العمل الأهلي تحديدا، دون أن تمتد لتشمل الموظف العام في الإدارات الحكومية.
وإن كان هناك خلط دائما ما يحدث في فهم وتفسير اتفاقيتي منظمة العمل الدولية: رقم 87 بشأن الحرية النقابية وحماية التنظيم النقابي لعام 1948، والاتفاقية رقم 98 بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية، الا اننا نؤكد على أن سريان أحكامهما يقتصر على تنظيم علاقات العمل في القطاع الأهلي.
ولعل إصدار منظمة العمل الدولية اتفاقية خاصة بتنظيم شروط الاستخدام في الخدمة العامة، وهي الاتفاقية رقم 151، انما هو خير دليل على عدم انطباق أحكام اتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقمي 87 - 98، على الموظفين العموميين، حيث تنص المادة 1 من الاتفاقية رقم 151 على ان «تنطبق هذه الاتفاقية على جميع الاشخاص الذين تستخدمهم سلطات عامة، الى المدى الذي لا تنطبق فيه عليهم أحكام اكثر مواتاة في غيرها من اتفاقيات العمل الدولية»، علما بأن هذه الاتفاقية لا تندرج ضمن اتفاقيات منظمة العمل التي صادقت دولة الكويت عليها ومن ثم فإنه ليس هناك التزام وطني بصددها، وهذا ما أكدته أيضا المادة 11 من الاتفاقية رقم 151 حين تنص على أن «لا تلزم هذه الاتفاقية الا اعضاء منظمة العمل الدولية الذين تم تسجيل صكوك تصديقهم لها لدى المدير العام».
التزام القانون
ليس هذا فحسب، بل ان احكام هذه الاتفاقيات، غالبا ما تؤكد على ضرورة التزام العمال واصحاب العمل ومنظمات كل منهما، بأحكام القوانين الوطنية للدولة، كما تحرص مجموعة من هذه الاتفاقيات على استثناء موظفي الخدمة العامة في ادارات الدولة، من الخضوع لأحكامها، وفقا لما ورد في نص المادة رقم 6 من اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 98 بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية.
وكأصل عام، يتعين القول ان الاضراب في جميع الدول التي أجازته، انما هو مقيد في ممارسته، بالالتزام بالقوانين والنظم والمصالح العامة الوطنية لهذه الدول، فما بالنا اذا كان من شأن الاضراب أن يؤثر سلباً في حقوق وحاجات الانسان الملحة في انجاز مصالحه، بالمخالفة للحق الدستوري العام الذي ترسخه المادة رقم 26 من الدستور الكويتي، حيث تنص على أن «الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة..»، وهو - أيضاً - ما أكدته المادة رقم 41 من الدستور، التي تنص على أن «..والعمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام..».
إهدار الحقوق
لذا، فإنه يصعب تصور أن تظل الدولة مكتوفة الايدي وعاجزة أمام اهدار البعض لحقوق الكل ومصالحهم، لا سيما ان كان هذا الاضراب يفتقد الى مشروعيته، سواء القانونية أو الواقعية، بل ويتعارض مع التزاماتنا الانسانية في اجابة مصالح وحجات جميع المراجعين، الذين لا ذنب لهم في أي ما يحدث من اضرابات. واننا اذا سلمنا جدلاً بحق الموظف العام في الاضراب، فإنه يجب حتماً تقييد هذا الحق بحدود ونطاق حقوق وحريات الآخرين ومصالحهم، التي تعززها - أيضاً - جميع الاتفاقيات الدولية المقررة بهذا الشأن.
وفي جميع الأحوال، يمكن القولان ممارسة أي سلوك وظيفي، انما يجب أن يتقيد ويتوافق مع المبادئ الدستورية والأحكام التشريعية الوطنية ونطاق القواعد الدولية التي تلتزم دولة الكويت بها، نتيجة التصديق عليها، وما تؤكده وزارة العدل، ان ما شاهدناه من اضراب، يتعارض كل التعارض مع الدستور والقانون والنظام العام ويعرقل - من دون أدنى شك - مسيرة التقدم والمصلحة العامة للدولة ولمواطنيها ومقيميها، ويخالف - من دون شك - حكم المادة رقم 49 من الدستور، التي توجب على جميع سكان الكويت مراعاة النظام العام للدولة.
ختام
وفي الختام، نشير اجمالاً الى أن عملية المصادقة على الاتفاقيات الدولية وابداء التحفظات بصدد بعض موادها، تحكمها بلا جدال أحكام الدستور والقوانين الوطنية للدولة، وعلى ذلك، فإن التصديق على الاتفاقيات ما هو الا اجراء يقتضي من الدولة المصادقة، والقيام بمواءمة تشريعاتها الداخلية لتتوافق وتتسق مع كامل نصوص الاتفاقيات المصادق عليها، وكذلك هي الحال بالنسبة الى التحفظات التي تبديها الدولة على الاتفاقيات الدولية أثناء عملية التصديق، حيث إن رفع مثل هذه التحفظات يستلزم أولاً من السلطة التشريعية السعي نحو تعديل القوانين الوطنية بما يسمح ويتيح للدولة القيام باتخاذ اجراءات سحب تحفظاتها، التي أبدتها سلفاً.

تسجيل الدخول


صيغة الجوال غير صحيحة

أو يمكنك تسجيل الدخول باسم المستخدم و كلمة المرور