الملف الصحفي


عفوًا هذه الوثيقة غير متاحة

جريدة القبس - الاحد, 8 ابريل, 2007 - 21 ربيع الأول 1428- رقم العدد: 12158

لا يتحقق التعاون بين السلطتين في غيابه
النص الدستوري يوجب حضور الوزراء إلى جلسات مجلس الأمة

الدكتور خليفة ثامر الحميدة
قسم القانون العام - كلية الحقوق جامعة الكويت

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من بعث هاديا من الظلمات، وعلى آله وصحبه وسلم. لقد طالعتنا صحيفة 'القبس' بموضوع يتعلق بشأن البحث في مدى صحة انعقاد جلسات مجلس الأمة من دون تمثيل للحكومة فيها (القبس بتاريخ 2007/4/5 الصفحة الأولى)، والحقيقة ان المرء ما كان ليلقي بالا لمثل هذه المناقشات، لو كانت محصورة في إطار المناقشات العامة، التي كثيرا ما يجنح فيها أعضاء المجلس المذكور منتخبين، ومعينين إلى التعرض إلى موضوعات بعيدة عن صلب المحاور محل المناقشة. وتكمن أهمية هذا الموضوع بالتحديد من خلال ما بادر به المجلس - ممثلا باللجنة التشريعية والقانونية - والحكومة - من خلال ما ورد في الصحف من إعدادها لمذكرتها للرد على التساؤلات المثارة - من الاتجاه إلى بحث الموضوع جديا على صعيد الفقه الدستوري، والعلم القانوني، الأمر الذي دعانا إلى كتابة هذه الدراسة المختصرة، وذلك حتى تتضح معالم الآراء المختلفة، بما يمثل بعدا علميا للتجربة الدستورية. ولقد كان اتجاهنا إلى هذه الكتابة نابعا من رغبتنا في التأكيد على حسن خدمة دولتنا العزيزية فكان لزاما علينا إعمال العلم بما ينفع بإذن الله تعالى الوطن العزيز حاضرا ومستقبلا ومن دون التردد في الاعتراف لمن سبقونا في ذلك.
إن عناصر الموضوع - ولا أقول المشكلة - تتضح فيما نصت عليه المادة (116) من الدستور بقولها:
'يسمع رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مجلس الأمة كلما طلبوا الكلام، ولهم أن يستعينوا بمن يريدون من كبار الموظفين أو ينيبوهم عنهم، وللمجلس أن يطلب حضور الوزير المختص عند مناقشة أمر يتعلق بوزارته، ويجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها' وعلى الرغم من وضوح النص، فقد اطلق البعض عنان السؤال حول مدى جدوى ربط جلسات المجلس بالتمثيل الحكومي فيها، ولعل هذا الاتجاه ينطلق من اعتبارات عملية يمكن ارجاعها في التأخير الذي واجهه المجلس انتظارا للتشكيل الحكومي الأخير، والذي ادى برئيس مجلس الامة الى تعليق اجتماعات المجلس لحين الانتهاء من تعيين الوزراء.
وعلى الرغم من الارضية المنطقية في التعاطي مع هذا الموضوع الشائك والاعتبارات العملية التي تملى على المجلس ان يكون سيد جلساته، اسوة بكونه سيد قراراته، يظل النص القانوني واجب التطبيق، ذلك ان النصوص القانونية عموما - والدستورية منها خصوصا - لا يمكن التعامل معه بناء على الاحرف والكلمات فقط، وانما لابد من البحث فيما يتضمنه من فكرة وملاكمات تسمى في مجموعها بروح الدستور، او نظرياته العامة، ومن هذا المنطلق سيجري البحث في الموضوع محل النقاش، والذي يتمحور حول مدى صحة انعقاد جلسات مجلس الامة عندما تفتقد الى التمثيل الحكومي فيها.
ولنبدأ بالخاتمة فنقول: ان حضور رئيس مجلس الوزراء، او بعض من الوزراء يمثل اساسا في تشكيل جلسات مجلس الامة، بل ان كان هناك ما يدعو للتساؤل فانه يتحصل فيما حدده النص الدستوري انف الذكر بقوله: 'او ببعض اعضائها'، فهنا السؤال: هل يكفي حضور وزير واحد للمجلس فقط مع غياب رئيس مجلس الوزراء وبقية الوزراء؟ فمناط السؤال هو التعدد في الصياغة الذي جاء به النص من استعمال لكلمة 'ببعض'، أما الحديث حول تواجد هذا التمثيل فإنه - وفقا لرأينا - لازم ولا يمكن غض الطرف عنه أو إهماله.
ونستطيع أن نؤسس رأينا هذا على عدد من الدعامات التي تشكل فيما بينها دليلا قانونيا علميا على هذا الرأي الداعي إلى الالتزام بالتمثيل الحكومي في جلسات مجلس الأمة، التي نذكرها تباعا:
أولا: القواعد العامة في التفسير
إن أول ما يتعلمه دارس القانون من قواعد التفسير قاعدة منطقية وسهلة، وهي لا اجتهاد مع وضوح النص، فإذا تضمن النص القانوني أمرا، فلا يصح إهماله أو تناسيه بدعوى عدم الضرورة لما نص عليه، او وجود ما هو افضل منه، اذ عندها يجب ان يصار الى تعديل النص وفقا للاجراءات المقررة في ذلك، وادخال التعديلات التي يرى انها الافضل، اما اذا اهمل تنفيذ النص لاي سبب وجيه، او غيره، فان ذلك ينطوي تحت عنوان كبير هو المخالفة للنص، او بعبارة اخرى تعديل النص دون اتباع لتلك الاجراءات، فالنص التشريعي دستوريا كان او قانونيا يجب ان يعمل به مادام واضح المعنى، وظاهر الدلالة حتى يتم تعديله وفقا للاجراءات المنصوص عليها.
وفي هذا السياق يتضح امامنا نصان مباشران يخضعان لهذه القاعدة التفسيرية، اذ انهما وردا بصيغة واضحة لا لبس فيها ولا غموض. اما النص الاول فهو ما جاء في عجز المادة 116 والتي اشير اليها مسبقا حيث انتهت الى النص على انه: '... ويجب ان تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها او بعض اعضائها'، اما النص الثاني فيتمثل فيما قررته المادة 80 بنصها على ان 'ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الامة اعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم'.
فمن خلال النص الاول يتضح بما لا مجال معه للتفسير، او التأويل وجوب حضور الوزراء المعنيين، واولئك المنتخبين لعضوية مجلس الامة، الى جلسات هذا الاخير، اما النص الثاني فيقرر صراحة دون لبس او غموض، كذلك كون الوزراء جميعهم اعضاء في مجلس الامة مما يستدعي بالضرورة حضور جلساته كأصل عام، وما قد يحدث من غياب ينبغي الا يكون سوى استثناءات قليلة، ضيقة الحدود ولاسباب منطقية، وجيهة.
ثانيا: العرف الدستوري
ان توافر التواجد الحكومي، او جزء منها في جلسات المجلس دون اثارة الموضوع ضرورة، مثل هذا الاجراء امر يستدعي الاخذ بعين الاعتبار، ذلك ان الحكومات المتعاقبة، والمجالس البرلمانية المنتخبة لم تثر ما قد يؤدي الى وضع ذلك التواجد موضع الشك، او السؤال، مما يعني تسليمهم بوجوب التواجد الحكومي في البرلمان تواجدا يقتضيه النص، والمنطق، ومن هنا كان لابد من اخذ هذا الاتجاه على محمل العرف القاضي بعدم صحة تلك المجالس دون ذلك التواجد، بل انه من المناسب هنا ذكر ما درج عليه في الآونة الاخيرة من حضور رئيس مجلس الامة، او نائبه لجلسات مجلس الوزراء، وهو الامر الذي يتطلب ان يكون محل تساؤل دستوري لا مكان له هنا، ولكن تمكن الاستعانة بهذا التواجد كدليل على مقتضيات الاجتماع فيما بين اعضاء السلطتين، فمن باب اولى عندئذ القول بوجوب حضور اعضاء الحكومة لجلسات مجلس الامة كما نص الدستور على ذلك صراحة.
ثالثا: النظام البرلماني
ان البحث في العلاقة بين الحكومة ومجلس الامة سيكون ضعيف الجدوى اذا افتقد النظر اليها من خلال المبادئ التي ارساها الدستور لمثل هذه العلاقات، ويأتي تبني الدستور للنظام البرلماني كأحد الاعمدة التي يجب مراعاتها دائما عند الحديث عن كلا المجلسين، او في العلاقة بين الوزير وعضو مجلس الامة بوجه خاص، وفي الحديث ذاته فان الفصل بين السلطتين مع تعاونها يأتي على رأس القواعد العامة او مثل هذا النظام، وعلى ذلك فقد نص الدستور في مادته 50 على ان: 'يقوم نظام الحكم على اساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لاحكام الدستور' وتستكمل المواد التالية بيان اشخاص تلك السلطات بين الامير ومجلس الامة بالنسبة للسلطة التشريعية، والامير ومجلس الوزراء والوزراء للسلطة التنفيذية، ثم المحاكم فيما يخص السلطة القضائية (المواد ،51 ،52 53).
وقد اظهرت المذكرة التفسيرية للدستور موقف هذا الاخير جليا حينما قالت: 'اقتضى الحرص على وحدة الوطن واستقرار الحكم ان يلتمس الدستور في النظام الديموقراطي الذي تبناه طريقا وسطا بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف اكبر نحو اولهما لما هو مقرر اصلا من ان النظام الرئاسي انما يكون في الجمهوريات'، وكدليل على هذا الانعطاف تجاه النظام البرلماني فقد اكدت المذكرة التفسيرية على ان: 'هذه الفضائل البرلمانية لم تنس الدستور عيوب النظام البرلماني التي كشفت عنها التجارب الدستورية'. وتبين المذكرة لقولها: 'وقد عمل الدستور على تحقيق هذا التوفيق بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي بالاسلوب المزدوج'.
وبناء على ذلك فان هذا التعاون بين المجلس المنتخب والحكومة ما كان ليستقيم من دون اجتماعات دورية تشمل المجموعتين المكونتين لهما،وفي هذا فما من شك في ان جلسات المجلس خير مكان وزمان للاجتماع على اعتبار انهما محددين في الدستور، واللائحة الداخلية للمجلس، اما القول بخلاف ذلك فيقتضي ان يبادر رئيس مجلس الامة الى انشاء عضو ارتباط يكون مسؤولا عن ايجاد ارضية لمثل هذا اللقاء، مما سيجعل امر تحديده مشكلة جديدة تضاف الى المشكلات اليومية، والعملية التي تواجه المجلس بين فينة واخرى، الخلاصة هنا ان الدستور كفانا مؤونة البحث عن مكان اجتماع بين السلطتين للتشاور، وادراك ما يحتاجه كل منهما من الاخر للاستمرار في سير في خطوات الارتقاء بهذا الوطن العزيز.
ثم انه من جهة اخرى رسم الدستور وسائل عديدة يباشرها عضو مجلس الامة في مواجهة الوزراء اعمالا للاختصاص السياسي لهذا المجلس، فمن ابداء للمقترحات، والاسئلة البرلمانية، وطرح موضوع عام للنقاش وتكوين لجان تحقيق برلمانية، واستجواب يتمكن عضوا لمجلس من ملاحقة الوزراء، فيما يقومون به من اختصاصات للتأكيد على قيامهم بها اولا، ثم حسن ادائها ثانيا، ومن الملاحظ ان جميع ما ذكر من وسائل لن تتحقق في يد العضو الا بوجود الوزير المختص الى جانبه في جلسات المجلس، بل لقد اشترط الدستور تواجد العضو مقدم الطلب في معظم هذه الوسائل في الجلسات المخصصة لمناقشتها والا سقطت من جدول الاعمال، كما ان منطق الظروف يقتضي وجود الوزراء للاطلاع عليها وابداء ما يرونه من ملاحظات في الجلسات ذاتها، ولا يفيد في ذلك ان يقال ان الجلسات التي تتطلب مثل هذه الوسائل هي فقط التي تلزم الوزير بحضورها، لما في ذلك من تفرقة ما لم يفرق من قبل الدستور، ولما ينطوي عليه في ثنايا التطبيق من امكان تأجيل البت فيها وفقا لارادة الوزير في كل الاحوال، فالخلاصة هنا ان النظام البرلماني يتطلب التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وانه لا تعاون الا في مواجهة، وارتباط حقيقي من خلال جلسات يندمج فيها الطرفان في مناقشتها، واجراءاتها، وليس البحث في مسائل من خلال مجلس امة منفرد لن يتمكن من البت في كثير منها الابمراجعة عناصر السلطة التنفيذية في الجلسات ذاتها، او تأجيلها الى وقت آخر حتى يستمر الوزراء فيها، ثم في نهاية الامر تأجيل مجمل اعمال المجلس لحين البحث وراء الوزراء، وأفكارهم ووجهات نظرهم.
رابعا: المتطلبات العملية
تنطلق الاعتبارات العملية من مجموعة عناصر ترجع في محصلتها الى ضرورة ايجاد البيئة المناسبة لجميع اعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية للتباحث فيما هو في مصلحة الدولة، ويمكن تلخيصها في الآتي:
1 - حتى يكون ما يرد في المجلس حجة على الحكومة، فمع صدور القرارات والقوانين المختلفة من مجلس الامة، وتصويت الوزراء فيها لن تكون هناك وسيلة امام السلطة التنفيذية للاحتجاج بجهل هذه القرارات، او تلك القوانين، او تنفيذها بحجة وجوب فتح الباب امامها للادلاء بدلوها في المناقشات.
2 - حتى يمكن مساءلة الحكومة مباشرة فيما يعترض امام اعضاء مجلس الامة من آراء او عقبات، او طلب رأيها مباشرة دون حاجة الى تعيين جلسة بعدالجلسة التي يتم فيها تباحث الامر حتى تراجع الحكومة في شأن بعض الموضوعات المثارة.
3 - حتى يتاح للحكومة فهم، وادراك ما يحدث، فإذا ما وجدت ما يخالف الدستور، او يبعد القانون عن مقتضيات صدوره، مما يعني فقدان عنصر الملاءمة في اصداره، فيتاح لها التقدم بوجهة نظرها مباشرة ودون تأخير، وهذا يوفر الوقت المستغرق للانتهاء من الموضوعات المختلفة المعروضة على المجلس من جهة، ومن جهة اخرى يؤكد سلامة القرارات الصادرة فيها ملاءمة وتشريعا.
4 - ان المواد المختلفة التي تنظم قيام الوزير باعماله دستوريا، وليس اداريا تفترض - في معظمها - تواجده في جلسات مجلس الامة، فهناك قسم الوزير كعضو امام مجلس الامة حيث لا يغني عن ذلك اي قسم اخر بما في ذلك قسمه امام الامير، كما تقرر المادة 80 التي سبق الاشارة اليها على عضوية الوزراء في مجلس الامة بحكم مناصبهم، مما لا يستقيم معه القول بجواز غيابهم عنها كأصل، وانما يسمح على سبيل الاستئذان المادة 88 لا تسمح بنظر موضوع غير ذلك الذي انعقد دور الانعقاد غير العادي لاجله الا اذا وافقت على ذلك الوزارة، المادة 94 تسمح للحكومة جعل جلسات مجلس الامة سرية، ولن يتحقق ذلك الا اذا تواجدت الحكومة في اجتماعات المجلس، المادة 101 تبين ان كل وزير مسؤول عن اعمال وزارته امام مجلس الامة، وهذه المسؤولية تفترض تواجده في الجلسات حتى يتسنى له الدفاع عن سياساته في وزارته.
لقد منح الدستور طلب رئيس مجلس الامة او الوزراء الكلام الاولوية، فقررت المادة 116 صراحة، 'يسمع رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مجلس الامة كلما طلبوا الكلام.. ويجب ان تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها او ببعض اعضائها'.
من هذا كله، يمكن القول ان حضور رئيس مجلس الوزراء، وتواجده في جلسات امر لا تستقيم هذه الاخيرة بدونه، ولا تحقق الفائدة من التعاون بين السلطتين بانعدامه، وفي هذا الشأن فقد قررت المذكرة التفسيرية ما يلي:
'ولعل بيت الداء في النظام البرلماني في العالم يكمن في المسؤولية الوزارية التضامنية امام البرلمان، فهذه المسؤولية هي التي يخشى ان تجعل من الحكم هدفا لمعركة لا هوادة فيها بين الاحزاب، بل وتجعل من هذا الهدف سببا رئيسيا للانتماء الى هذا الحزب او ذاك، وليس الى اخطر على سلامة الحكم الديموقراطي من ان يكون هذاالانحراف اساسا لبناء الاحزاب السياسية في الدولة بدلا عن البرامج والمبادئ، وان يكون الحكم غاية لا مجرد وسيلة لتحقيق حكم اسلم وحياة افضل'.

تسجيل الدخول


صيغة الجوال غير صحيحة

أو يمكنك تسجيل الدخول باسم المستخدم و كلمة المرور