الملف الصحفي


عفوًا هذه الوثيقة غير متاحة

جريدة الوطن - الإثنين 3-12-2007

في دراسة ختمها بقوله اللهم هل بلغت اللهم فاشهد
محمد المقاطع : شراء مديونيات المواطنين مخالف لخمسة مبادئ دستورية

أكد الخبير الدستوري الدكتور محمد المقاطع ان مقترح شراء مديونيات المواطنين يحقق مخالفات دستورية في خمسة من مبادئه اولها مبدأ العدالة والمساواة اضافة إلى اخلاله بمبدأ العدالة الاجتماعية من جانب اخر، كما اكد المقاطع في دراسة له حول المقترح الذي يدعو النواب إلى طرحه للنقاش في جلسة مجلس الامة غدا ان المقترح مخالف لواجب حفظ الاموال العامة وحمايتها المقررة في الدستور مشيرا إلى القسم الذي يقسمه عضو مجلس الامة قبل ان يتولى اعماله في المجلس او لجانه وما يضمنه من القسم الحفاظ على اموال الشعب.
اما المخالفة الرابعة فقد بين المقاطع انها تتمثل في الاخلال بمبدأ العمومية والتجريد في التشريع في حين عارض المقترح خامساً مبدأ سلطان الارادة والحرية الاقتصادية مشيرا هنا إلى مبدأ أن العقد شريعة المتعاقدين القانوني والذي يجسد فكرة سلطان الارادة الحرة.
وفيما يلي نص دراسة د. المقاطع في هذا الخصوص:
شراء مديونيات المواطنين في ميزان الدستور
قال تعالى: (وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيراً)
صدق الله العظيم
كم كان سهلا ان يتناول الانسان موضوعا سهلا في مدخله وفي مخرجه، ويبعد قلمه عن الموضوعات الشائكة وعرة الدرب ومتشابكة الحساسية، لكنه الواجب الوطني والتخصص العلمي، هو ما يفرض علينا واجباً لا مفر لنا من التصدي له مهما كانت التبعات.
تقدم عدد من اعضاء مجلس الامة الكويتي ببعض المقترحات بقوانين هادفة الى شراء الدولة للقروض الاستهلاكية او القروض المقسطة التي لا يدخل ضمنها قرض الدولة العقاري، والخاص بالرعاية السكنية، ونظرا لما يثيره هذا الموضوع من مسائل واسئلة جديرة بالبحث والدراسة في جوانبها الدستورية، خصوصا مع تزايد الخطا النيابية في مناقشة هذه المقترحات في الجلسة المحددة بتاريخ 2007/12/4، ووجود تحرك نيابي وشعبي ضاغط على الحكومة للموافقة على مقترحات بقوانين سابقة. وعليه فإننا سنتناول هذه المقترحات في ميزان الدستور لمعرفة مدى سلامتها وتوافقها مع احكامه.
أولا: اخلال المقترحات بقوانين لشراء المديونيات بمبدأي العدالة والمساواة
كرّس الدستور الكويتي في جملة من المواد الدستورية الهامة مبدأين جوهريين الا وهما العدالة والمساواة، حيث قررتهما ديباجة الدستور والمواد 7 و 24 و 29 منه ومفهوم هذه المبادئ انه لا يجوز وضع اي تفرقة في المعاملة التي تكون الدولة طرفا فيها فيما تقدمه من تسهيلات او خدمات او انتفاع بمرافقها واموالها.
ومن ثم فان وجود اقتراح بقانون يهدف الى قيام الدولة بشراء مديونيات بعض المواطنين ممن قاموا بالاقتراض او الحصول على تسهيلات وفقا لتقديراتهم وفي حدود امكانياتهم وفي ضوء ظروف متساوية مع اقرانهم من بقية المواطنين، وقبلوا ان يضعوا انفسهم موضع المدينيين للحصول على وضع او امتياز مالي او ترفيهي او اسكاني بهذه القروض او التسهيلات، دون ان يمتد القانون ليشمل كافة المواطنين بانواع قروضهم المختلفة، وكذلك غير المقترضين يعد اخلالا جسيما بالمبدأين الدستوريين السابقين.
حيث ينهار مفهوم المساواة الدستوري في عدم جواز تمييز اي مواطن عن الآخر بأيةحجج او مبررات آنية او ظرفية وكذلك استنادا الى قرارات ارادية تقوم على اسس تعاقدية محضة، مما يجعل مثل هذا الاقتراح بقانون بعيدا عن المنال الدستوري في تحقيق فكرة المساواة بين المواطنين.
كما ان مثل هذه الفكرة تهدر مبدأ العدالة بصفة عامة والعدالة الاجتماعية بصفة خاصة حينما تفرد بعض المواطنين بهبة او بعطاء من قبل الدولة من الاموال العامة دون النظر الى حقيقة وجود نوع من التماثل الذي يعني وجود عدل بين الناس، او دون وجود اوضاع اضطرارية او عسكرية او استثنائية تجعل من التدخل التشريعي مبررا بالاستناد الى ايجاد نوع من التوازن في اوضاع عائلية او اجتماعية يمكن ان تنهار او تتهاوى اذا لم يتم اسعافها وانقاذها بتحرك اطاره فكرة العدالة الاجتماعية التي تبنى على مبدأ الدور التكافلي والتضامني للمجتمع والدولة والشعب في تلافي الاضرار الحالة التي قد تلحق فئة من الشعب ان لم يتم تدارك ذلك بتطبيق صحيح لمبدأ العدالة الاجتماعية.
ومما يؤخذ بعين الاعتبار في هذه الحالة حجم دخل الفرد والتزاماته المالية والتزاماته العائلية واعساره في الدين والآثار القانونية الحالة التي قد تترتب على وجود القروض عليه بما يجعله معرضا لطائلة القانون ومسؤولياته الجسيمة، فيكون التدخل ربما في مثل هذه الحالة مبررا لاعادة التوازن إلى وضعه المعيشي والمالي. اما ان يأتي المقترح على الاطلاق الوارد في القوانين المقدمة فإن ذلك يجافي احكام الدستور ومبدأ العدالة الاجتماعية الذي يعد ركيزة جوهرية من ركائزه.
ثانيا: تعارض المقترحات ومبدأ العدالة الاجتماعية
ان فكرة العدالة الاجتماعية التي تبنى على مبدأ الدور التكافلي والتضامني للمجتمع والدولة والشعب في تلافي الاضرار الحالة التي قد تلحق فئة من الشعب ان لم يتم تدارك ذلك بتطبيق صحيح لمبدأ العدالة الاجتماعية.
تعتبر مبرراً دستوريا للتدخل من قبل الدولة لتحقيق فكرة التضامن والتكافل، بضوابطها وحدودها وقيودها الدستورية، ام التصدي لاوضاع مجموعة أو فئة من المواطنين دون تحقق ذلك بالنسبة لهم فهو خروج على الدستور ومبدأ العدالة الاجتماعية، والذي اعتنقه الدستور وردده في ديباجته والمواد 8، 20، 22، 24، 25، 48 وهي عبارة عن منظومة دستورية متكاملة، لا تتوافق المقترحات المقدمة بلا قيود أو ضوابط مع شرائطها ولا تحقق الحكمة أو الابعاد الدستورية في تقريرها.
ثالثا: المخالفة لواجب حفظ الأموال العامة وحمايتها المقرر في الدستور
تنص المادة (17) من الدستور على انه «للاموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن». وتنص المادة (91) من الدستور على انه «قبل ان يتولى عضو مجلس الامة اعماله في المجلس أو لجانه يؤدي امام المجلس وفي جلسة علنية اليمين الآتية: اقسم بالله العظيم ان اكون مخلصا للوطن وللأمير، وان احترم الدستور وقوانين الدولة، واذود عن حريات الشعب ومصالحه وامواله، واؤدي اعمالي بالامانة والصدق».
وقد وضع الدستور في هذه المواد الواجبات الدستورية الواقعة على كاهل كل عضو من اعضاء مجلس الامة من جهة، وكل مواطن من المواطنين من جهة اخرى، تجاه الاموال العامة والتي يجب ألا تكون محلا للافراط فيها أو التساهل في مواضع صرفها أو ان تكون محلا أو موضعا للاهدار أو التبديد أو العطاءات أو الهبات التي ليس لها أي مبرر أو سند منطقي ومشروع، ويدخل في ذلك ايضا حالة الانحراف التشريعي بتقديم مشروع قانون يسعى الى تحقيق منفعة مالية أو عطاء على حساب الدولة لفئة أو مجموعة من المواطنين على حساب البقية منهم.
ولما كانت الاموال العامة موقوفة على المصلحة العامة وتسعى الى تحقيقها على اطلاقها دون استفادة البعض من المواطنين دون البعض الآخر، وهو واجب يلتزم به القائمون على السلطتين التشريعية والتنفيذية في آن واحد، فإن خروجهم عن ذلك وعدم العمل بمقتضياته يعد انحرافا في استخدام السلطة يشوب اعمالها بعدم المشروعية الدستورية، ويسم التشريع أو القانون الذي يوضع خلافا لذلك بأنه ضرب من ضروب الانحراف التشريعي والخروج عن الاختصاص المقرر دستوريا.
رابعا: اخلال مقترحات شراء المديونيات بمبدأ العمومية والتجريد في التشريع:
ان أحد أهم المبادئ الاصولية من الناحية القانونية التي تحكم وتضبط آلية واجراءات وضع التشريعات أيا كانت قوانين أو لوائح هو اتسام تلك التشريعات بصفتي العمومية والتجريد، بمعنى انها تكون عامة فيما تضعه من قواعد ومبادئ واحكام مجردة من الأوضاع والاحوال الخاصة، وان تكون من التجريد الذي يبتعد عن التفصيل الخاص للقانون لفئة معينة من الناس لتشمل كافة المواطنين أو الأشخاص الذين يمتد حكمها اليهم، وتنطبق على أوضاعهم.
أما إذا جاءت التشريعات مفصلة ومحددة لفئة معينة ينطبق عليها القانون دون غيرها من الفئات أو من المجموعات وان تكون هذه الفئة معروفة ومحددة باشخاصها أو ممكنة التحديد أو الحصر فيما لو تم القيام بذلك فإن ذلك يعد اخلالا بالمبدأ الاصولي الذي ينفي عن القانون صفتي العموم والتجريد بما يجعله معتلا بعوار عدم الدستورية لخروجه على تلك المبادئ والاصول.
خامسا: تعارض المقترحات ومبدأ سلطان الارادة والحرية الاقتصادية:
اخذ الدستور الكويتي بمبادئ الملكية الفردية والحرية الاقتصادية في التعاملات التجارية والمالية للافراد تماشيا مع مبدأ شرعي وقانوني هام ألا وهو العقد شريعة المتعاقدين، وهذا المبدأ يجسد فكرة سلطان الارادة الحرة للفرد فيما يدخل به من تعاقدات وفيما يقوم به من التزامات، بارادته واختياره، مع ما يترتب عليها من تحمله لكل الاثار الناتجة عن مثل هذا القرار وتلك الاختيارات، ومن ثم فإن قيام الدولة بشراء المديونيات فيه الغاء للمبدأ الدستوري الهام والخاص بحرية التجارة وسلطان الارادة، ولا يمنع عدم دستورية هذا المسلك ان يصدر قانون بذلك من مجلس الأمة حيث ان القانون في هذه الحالة مشوب بعيب عدم الدستورية لمخالفته للمبدأ المذكور.
وغني عن البيان ان الحكومة تملك من الوسائل والاجراءات الرقابية والتنفيذية ما يسمح لها ان توقف اي شكل من اشكال التجاوز أو الخروج عن الحدود التي رسمها القانون في التوازن المطلوب في التعاقدات القائمة بين الافراد بعضهم بعضا أو بين الافراد والمؤسسات المالية كما هو الحال في القروض الاستهلاكية أو المقسطة والتي تخضع لرقابة البنك المركزي الذي هو جزء من الجهاز التنفيذي.

تسجيل الدخول


صيغة الجوال غير صحيحة

أو يمكنك تسجيل الدخول باسم المستخدم و كلمة المرور